للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنك إذن بغير إلّ (١)، عن هوى أمير المؤمنين من ذلك.

وأما ما ذكرت مما سبّب الله لك، فإن الله قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك واصطفاه، والله بالغ أمره، لقد أصبح أمير المؤمنين، وهو على اليقين من ربه، أنّه لا يملك لنفسه فيما أعطاه من كرامته ضرّا ولا نفعا، وأن الله ولىّ ذلك منه، وأنه لا بد له من مزايلته، والله أرأف بعباده وأرحم من أن يولّى أمرهم غير الرّضىّ له منهم، وإن أمير المؤمنين من حسن ظنه بربه لعلى أحسن الرجاء أن يولّيه تسبيب ذلك لمن هو أهله فى الرّضا له به ولهم، فإن بلاء (٢) الله عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره أو يؤدّيه شكره إلّا بعون منه، ولئن كان قدّر لأمير المؤمنين تعجيل وفاة، إن فى الذى هو مفض إليه إن شاء الله من كرامة الله لخلفا من الدنيا.

ولعمرى إن كتابك إلى أمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك، فاربع على نفسك من غلوائها، وارقأ على ظلعك (٣)، فإن لله سطوات وعينا، يصيب بذلك من يشاء، ويأذن فيه لمن يشاء، ممن شاء الله، وأمير المؤمنين يسأل الله العصمة والتوفيق لأحبّ الأمور إليه وأرضاها له.

(تاريخ الطبرى ٨: ٢٩١)


(١) الإل: العهد. أقول: وربما كان الأصل «لغير آل» أى مقصر، من ألا يألو إذا قصر، والمعنى: لئن كنت تظن أن أمير المؤمنين حريص على الإساءة إليك، إن ظنك هذا لا يخطئ ما يهواه أمير المؤمنين من ذلك، يريد بهذا أن يصارحه بأنه يهوى إساءته ويستريح إليها.
(٢) أى نعمته.
(٣) ربع كمنع: وقف وانتظر وتحبس، ورفأ فى الدرجة كمنع وفرح ورقى: صعد، وظلع كمنع:
غمز فى مشيه، ويقال: اربع عليك أو على نفسك وعلى ظلمك، أى إنك ضعيف فانته عما لا تطيقه، وارق على ظلعك، وارقأ على ظلعك مهموزا: أى ارفق بنفسك ولا تحمل عليها أكثر مما تطيق- لأن الراقى فى سلم إذا كان ظالعا ترفق بنفسه- أو أصلح أمرك أولا وكف واسكت على ما فيك من العيب وأبصر نقصك وعجزك.

<<  <  ج: ص:  >  >>