للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأقدار بأشدّ مناكبها (١)، وكان أمير المؤمنين بمكان من الله حاطه (٢) فيه، حتى أزّره بأكرم مناطق الخلافة، فقام بما رآه الله له أهلا، ونهض مستقلّا (٣) بما حمل منها، مثبتة ولايته فى سابق الزّبر (٤) بالأجل المسمّى، خصّه الله بها على خلقه، وهو يرى حالاتهم، فقلّده طوقها، ورمى إليه بأزمّة الخلافة وعصم (٥) الأمور.

فالحمد لله الذى احتار أمير المؤمنين لخلافته، ووثاق عرى دينه، وذبّ له عما كاده فيه الظالمون، فرفعه ووضعهم، فمن أقام على تلك الخسيسة من الأمور، أوبق (٦) نفسه، وأسخط ربّه، ومن عدّلته التوبة نازعا (٧) عن الباطل إلى الحق وجد الله توّابا رحيما.

أخبر أمير المؤمنين- أكرمه الله- أنّى عند ما انتهى إلىّ من قيامه بولاية خلافة الله، نهضت إلى منبرى علىّ سيفان، مستعد بهما لأهل الغشّ، حتى أعلمت من قبلى ما امتنّ الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين فاستبشروا لذلك، وقالوا: لم تأتنا ولاية خليفة كانت آمالنا فيها أعظم، ولا هى لنا أسرّ، من ولاية أمير المؤمنين، وقد بسطت يدى لبيعتك فجدّدتها ووكّدتها بوثائق العهود، وترداد المواثيق، وبغليظ الأيمان، فكلّهم حسنت إجابتهم وطاعتهم، فأثبهم يا أمير المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذى آتاك، فإنك أجودهم جودا، وأبسطهم يدا، وقد انتظروك راجين فضلك قبلهم، بالرّحم (٨) الذى استرحموك، وزدهم زيادة تفضل بها من قبلك، حتى يظهر بذلك فضلك عليهم على رعيتك.


(١) معناه أنها لم تنله مأربه، والمناكب: جمع منكب كمجلس.
(٢) حاطه. حفظه وصانه، أزره: ألبسه الإزار، والمناطق: جمع منطقة كمكنسة، وهى ما يشد به الوسط، والمعنى: قواه بالخلافة.
(٣) استقل الشىء: حمله ورفعه كقله وأقله.
(٤) الزبر: جمع زبور كصبور وهو الكتاب.
(٥) انظر هامش ص ٣٥٣.
(٦) أى أهلك.
(٧) نزع عنه كضرب: كف عنه وانتهى.
(٨) الرحم كقفل وعنق، والرحمة والمرحمة: الرقة والتعطف.

<<  <  ج: ص:  >  >>