للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إن الله اختار الإسلام دينا، وارتضاه وطهّره، وافترض فيه حقوقا أمر بها، ونهى عن أمور حرّمها، ابتلاء (١) لعباده فى طاعتهم ومعصيتهم، فأكمل فيه كلّ منقبة (٢) خير، وجسيم فضل، ثم تولّاه فكان له حافظا، ولأهله المقيمين حدوده وليّا، يحوطهم ويعرّفهم بفضل الإسلام، فلم يكرم الله بالخلافة أحدا يأخذ بأمر الله وينتهى إليه، فيناوبه أحد بميثاق، أو يحاول (٣) صرف ما حباه الله به، أو ينكث ناكث إلا كان كيده الأوهن، ومكره الأبور، حتى يتمّ الله ما أعطاه، ويدّخر له أجره ومثوبته، ويجعل عدوّه الأضلّ سبيلا، الأخسر عملا، فتناسخت (٤) خلفاء الله ولاة دينه، قاضين فيه بحكمه، متّبعين فيه لكتابه، فكانت لهم بذلك من ولايته ونصرته ما تمّت به النعم عليهم، قد رضى الله بهم لها حتى توفّى هشام.

ثم أفضى الأمر إلى عدوّ الله الوليد، المنتهك للمحارم التى لا يأتى مثلها مسلم، ولا يقدم عليها كافر، تكرّما عن غشيان مثلها، فلما استفاض ذلك منه واستعلن، واشتدّ فيه البلاء، وسفك فيه الدماء، وأخذت الأموال بغير حقها مع أمور فاحشة لم يكن الله ليخلّى العاملين بها إلا قليلا، سرت إليه مع انتظار مراجعته، وإعذار إلى الله وإلى المسلمين، منكرا لعلمه وما اجترأ عليه من معاصى الله، متوخّيا من الله إتمام الذى نويت، من اعتدال عمود الدين والأخذ فى أهله بما هو رضا، حتى أتيت جندا وقد وغرن (٥) صدورهم على عدو الله، لما رأوا من عمله، فإن عدوّ الله لم يكن يرى من شرائع الإسلام شيئا إلا أراد تبديله، والعمل فيه بغير ما أنزل الله، وكان ذلك منه شائعا شاملا، عريان لم يجعل الله فيه سترا، ولا أحد لأحد فيه شكّا، فذكرت لهم الذى نقمت وخفت، من فساء الدين والدنيا، وحضضتهم على تلافى دينهم


(١) أى اختبارا.
(٢) المنقبة المفخرة.
(٣) فى الأصل «أو بحلول» وهو تحريف، وحباه: أعطاه ومنحه.
(٤) أى تعاقبوا وتداولوا، تناسخت الأشياء: تداولت فكان بعضها مكان بعض.
(٥) وغر صدره: امتلأ غيظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>