للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإياك أن تخمد نار رواقك (١)، وإذا وقع العدو فى معسكرك، فأججها ساعرا لها، وأوقدها حطبا جزلا، يعرف بها أهل العسكر، مكانك وموضع رواقك، فيسكن نافر قلوبهم، ويقوى واهن قوتهم، ويشتدّ منخذل ظهورهم، ولا يرجمون بك الظنون، ويجعلون لك آراء السّوء ويرجفوون بك آناء الخوف (٢)، وذلك من فعلك رادّ عدوّك بغيظه، لم يستفلل منك ظفرا (٣)، ولم يبلغ من نكايتك سرورا إن شاء الله.

فإن انصرف عنك عدوّك، ونكل عن الإصابة من جندك، وكانت بخيلك قوة على طلبه، أو كانت لك من فرسانك خيل معدّة، وكتيبة منتخبة، وقدرت أن تركب بهم أكساءهم (٤)، وتحملهم على سننهم، فأتبعهم جريدة (٥) خيل عليها الثقات من فرسانك، وأولو النجدة من حماتك، فإنك ترهق (٦) عدوك، وقد أمن بياتك، وشغل بكلاله عن التحرّز منك، والأخذ بأبواب معسكره، والضبط لمحارسه عليك موهنة حماتهم، لغبة (٧) أبطالهم. لما ألفوكم عليه من التّشمير والجد قد عقر (٨) الله فيهم. وأصاب منهم؛ وجرح من مقاتلتهم، وكسر من أمانىّ ضلالهم وردّ من مستعلى جماحهم.

وتقدّم إلى من توجّهه فى طلبهم، وتتبعه أكساءهم، أن يكونوا وهم فى سكون الريح، وقلة الرّفث (٩)، وكثرة التسبيح والتهليل، واستنصار الله عزّ وجل بقلوبهم


(١) الرواق: بيت كالفسطاط.
(٢) فى المنظوم والمنثور «ولا يرجفون فيك بالظنون، ويجيلون لك آراء السوء، وذلك من فعلك ... الخ».
(٣) فيه «ولم يستقل منك بظفر» ويقال: استقل غربه: أى كسره.
(٤) الأكساء: الأدبار جمع كسء بالضم، وكسء كل شىء: مؤخره.
(٥) الجريدة: خيل لا رجالة فيها.
(٦) أرهقه عسرا: كلفه إياه، وحمله على مالا يطيقه.
(٧) وصف من اللغوب، وهو التعب والإعباء.
(٨) عقر البعير: ضرب قوائمه بالسيف وهو قائم، والمعنى قد اندحروا وهزموا.
(٩) الرفث: الفحش.

<<  <  ج: ص:  >  >>