للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وألسنتهم سرّا وجهرا، بلا لجب ضجّة، ولا ارتفاع ضوضاء، دون أن يردوا على مطلبهم، وينتهزوا فرصتهم، ثمّ ليشهروا السّلاح، وينتضوا السّيوف، فإنّ لها هيبة رائعة، وبديهة مخوفة، لا يقوم لها فى بهمة (١) الليل وحندسه إلا البطل المحارب، وذو البصيرة المحامى، والمستميت المقاتل، وقليل ما هم عند تلك الحميّة، وفى ذلك الموضع (٢).

ليكن أول ما تتقدم به فى التهيؤ لعدوك، والاستعداد للقائه، انتخابك من فرسان عسكرك، وحماة جندك، ذوى البأس والحنكة، والجلد (٣)، والصّرامة ممن قد اعتاد طراد الكماة (٤)، وكشر (٥) عن ناجذه فى الحرب، وقام على ساق فى منازلة الأقران، ثقف الفروسية (٦)، مستجمع القوة، مستحصد المريرة (٧) صبورا على أهوال الليل، عارفا بمناهز الفرص، لم تمهنه (٨) الحنكة ضعفا، ولا بلغت به السن كلالا (٩) ولا أسكرته غرّة الحداثة جهلا، ولا أبطرته نجدة الأغمار (١٠) صلفا، جريئا على مخاطرة التلف، مقدما على ادّراع الموت، مكابرا لمرهوب (١١) الهول، متقحّما مخشىّ الحقوف، خائضا غمرات المهالك، برأى يؤيّده الحزم ونيّة لا يخالجها الشكّ، وأهواء مجتمعة، وقلوب مؤتلفة (١٢)، عارفين بفضل الطاعة وعزّها وشرفها، وحيث محلّ أهلها من التأييد والظفر والتمكين، ثم اعرضهم رأى عين على كراعهم وأسلحتهم، ولتكن دوابّهم إناث عتاق الخيل، وأسلحتهم سوابغ الدّروع وكمال آلة المحارب،


(١) البهمة: السواد، والحندس: الظلمة والليل المظلم.
(٢) فى المنظوم والمنثور «عند تلك المواضع».
(٣) فيه «والجد».
(٤) الكماة جمع كمىّ كغنى. وهو الشجاع: المتكمى فى سلاحه: أى المتغطى المتستر بالدرع والبيضة.
(٥) الناجذ: أقصى الأضراس، وكشر عن أسنانه: أبدى.
(٦) فيه «سقف الفراسة» وهو تحريف.
(٧) المريرة: العزبمة، وأصلها الحبل الشديد الفتل، واستحصد الحبل: استحكم.
(٨) أمهنه: أضعفه.
(٩) فيه «دلالا».
(١٠) الأغمار. جمع غمر كشمس وقفل وسبب وكتف، وهو من لم يجرب الأمور، ومغمر أيضا كمعظم.
(١١) وفى صبح الأعشى «لمهيب».
(١٢) وفى المنظوم والمنثور «موسعة».

<<  <  ج: ص:  >  >>