للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشّبهات، وما يدعو إليه نقصان الأديان، وتستويهم به الغوايات، وأوضح لهم أعلام الحق، ومنازل المراشد، وطرق الهدى، وأبواب النجاة، ومعالق العصمة، غير مدّخر لهم نصحا، ولا مبتغ فى إرشادهم غنما.

فكان مما قدّم إليهم فيه نهيه، وأعلمهم سوء عاقبته، وحذّرهم إصره (١) وأوعز إليهم ناهيا وواعظا وزاجرا، الاعتكاف على هذه التماثيل من الشّطرنج (٢)، والمواصلة عليها؛ لما فى ذلك من عظيم الإثم، وموبق الوزر، مع مشتغلتها عن طلب المعاش، وإضرارها بالعقول، ومنعها من حضور الصّلوات فى مواقيتها مع جميع المسلمين.

وقد بلغ أمير المؤمنين أن ناسا ممن قبلك من أهل الإسلام قد ألهجهم (٣) الشيطان بها، وجمعهم عليها، وألّف بينهم فيها، فهم معتكفون عليها من لدن صبحهم إلى ممساهم (٤)، ملهية لهم عن الصلوات، شاغلة لهم عما أمروا به من القيام بسنن دينهم، وافترض عليهم من شرائع أعمالهم، مع مداعبتهم فيها، وسوء لفظهم عليها، وإن ذلك من فعلهم ظاهر فى الأندية والمجالس، غير منكر ولا معيب، ولا مستفظع عند أهل الفقه، وذوى الورع والأديان والأسنان منهم، فأكبر أمير المؤمنين ذلك وأعظمه، وكرهه واستكبره، وعلم أن الشيطان عند ما يئس من بلوغ إرادته فى معاصى


(١) الإصر: الذنب.
(٢) جاء فى المصباح «الشطرنج معرب، قيل بالفتح وقيل بالكسر وهو المختار قال ابن الجواليقى فى كتاب ما تلحن فيه العامة: «ومما يكسر والعامة نفتحه أو تضمه الشطرنج بكسر الشين، قالوا وإنما كسر ليكون نظير الأوزان العربية مثل جردحل، إذ ليس فى الأبنية العربية فعلل بالفتح حتى يحمل عليه» - والجردحل: الوادى- وجاء فى شفاء الغليل «قال الحريرى بفتح الشين والقياس كسرها لأنهم لم يقولوا فعلل بفتح الفاء، وقيل إن ابن القطاع نقله عن سيبويه ومثل له ببرطح، وهو حزام الدابة، ويقال بالسين والتين والمعروف فيه الفتح، وقال الواحدى: الكسر أحسن ليكون كجردحل، وقيل هو عربى من المشاطرة لأن لكل شطرا ومنهم من جعله أشطرا، والصحيح أنه معرب صدرنك أى مائة حيلة، والمقصود التكثير، وقيل معرب شدرنج أى من اشتغل به ذهب عناؤه باطلا» أقول: والقول بعربيته إنما هو من تمحل بعض الفقهاء اللغويين؛ وتحيلهم فى صبغ الكلمات الأعجمية بصبغ عربى.
(٣) أى أغراهم بها، من لهج بالأمر كفرح، أى أغرى به فثابر عليه.
(٤) الممسى: الإمساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>