للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آنسات، قد أحالتهن الضبابة عن شخصنا، وأذهلهن أنيق الرياض عن السمّاع حسّنا، فلم نعج (١) إلا والضوارى لائحة لهن من بعد الغاية، ومنتهى نظر الشّاخص، ثم مدّت الجوارح أجنحتها، واجتذبت الضوارى مقاودها، فأمرت بإرسالها على الثقة بمحضرها (٢)، وسرعة الجوارح فى طلبها، فمرّت تحفّ حفيف الريح عند هبوبها، تسفّ الأرض سفّا، كاشفة عن آثارها، طالبة لخيارها، حارشة (٣) بأظفارها، قد مزّقتها تمزيق الريح الجراد، فمن صائح بها وناعر، وهاتف بها وناعق، يدعو الكلب باسمه، ويفديه بأبيه وأمه، وراكض تحت مفرّه، وخافق يطلبه الرمح، وطامح يمنعه، وسانح قد عارضه بارح (٤)، قد حيّرتنا الكثرة، وألهجتنا القدرة حتى امتلأت أيدينا من صنوف الصيد، والله المنعم الوهاب.

ثم ملنا يا أمير المؤمنين بهداية دليل قد أحكمته التجارب، وخبر أعلام المذانب (٥)، إلى غدير أفيح (٦)، وروضة خضرة، مستأجمة بتلاوين الشجر، ملتفّة بصنوف الخمر (٧)، مملوءة من أنواع الطير. لم يذعرهن صائد، ولا اقتنصهن قانص، فخفق لها بطبول، وصفر بنفير الحتف، فثار منها ما ملأ الأفق كثرتها، وراعت الجوارح خفقات أجنحتها، ثم انبرت البزاة لها صائدة، والصقور كاسرة، والشواهين ضارية، يرفعن الطلب لها ويخفضن الظفر بها، حتى سئمنا من الذبح، وامتلأنا من النّضيح (٨)، كأنا كتيبة ظفرت ببغيتها، وسريّة نصرت على عدوها، وألحقت ضعيفها بقويها، وغلبت محسنها بمسيئها لا نملك أنفسنا مرحا، ولا نستفيق من الجذل بها فرحا، بقيّة يومنا، والله المنعم الوهّاب.


(١) أى فلم نعطف ونرجع، وفى الأصل يفح» وهو تصحيف.
(٢) الإحضار: ارتفاع الفرس فى عدوه.
(٣) حرشه كضربه: صاده.
(٤) السانح من الصيد: مامر من مياسرك إلى ميامنك، والبارح: مامر من ميامنك إلى مياسرك.
(٥) المذانب جمع مذنب كمنبر: وهو مسيل الماء إلى الأرض، ومسيل فى الحضيض، والجدول يسيل عن الروضة بمائلها إلى غيرها.
(٦) أى واسع.
(٧) الخمر: كل ما واراك من شجر وغيره.
(٨) النضيح: العرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>