للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- بما أصلح الله الأمة من بعده- أشدّ اهتماما من بعض الولاة بما لا يصلح رعيته فى سلطانه، وما أشدّ ما قد استبان لنا أن أمير المؤمنين أطول بأمر الأمة عناية، ولها نظرا وتقديرا، من الرجل منا بخاصّة أهله، ففى دون هذا ما يثبّت الأمل، وينشّط للعمل، ولا قوة إلا بالله، ولله الحمد، وعلى الله التمام.

فمن الأمور التى يذكّر بها أمير المؤمنين- أمتع الله به- أمر هذا الجند من أهل خراسان، فإنهم جندلم يدرك مثلهم فى الإسلام، وفيهم منعة بها يتمّ فضلهم إن شاء الله أمّا هم فأهل بصر بالطاعة، وفضل عند الناس، وعفاف نفوس وفروج، وكفّ عن الفساد، وذلّ للولاة، فهذه حال لا نعلمها توجد عند أحد غيرهم. وأمّا ما يحتاجون فيه إلى المنفعة من ذلك، فتقويم أيديهم ورأيهم وكلامهم، فإن فى ذلك اليوم أخلاطا (١): من رأس مفرط غال، وتابع متحيّر شاكّ، ومن كان إنما يصول على الناس بقوم لا يعرف منهم الموافقة فى الرأى والقول والسّيرة، فهو كراكب الأسد الذى يوجل (٢) من رآه، والراكب أشدّ وجلا؛ فلو أن أمير المؤمنين كتب لهم أمانا معروفا بليغا وجيزا، محيطا بكل شىء يجب أن يعملوا (٣) به أو يكفّوا عنه، بالغا فى الحجّة، قاصرا عن الغلوّ، يحفظه رؤساؤهم حتى يقودوا به دهماءهم (٤)، ويتعهّدوا به منهم من دونهم من عرض الناس، لكان ذلك إن شاء الله لرأيهم صلاحا، وعلى من سواهم حجّة، وعند الله عذرا، فإن كثيرا من المتكلمين من قوّاد أمير المؤمنين اليوم إنما عامّة كلامهم فيما يؤمر الأمر، ويزعم الزّعم أن أمير المؤمنين لو أمر الجبال أن تسير سارت، ولو أمر أن تستدبر القبلة بالصلاة فعل ذلك، وهذا كلام قلّما يرتضيه من كان مخالفا، وقلّما يرد فى سمع السامع إلا أحدث فى قلبه ريبة


(١) فى الأصل «اختلاطا» وهو تحريف.
(٢) أى يخاف.
(٣) فى الأصل «أن يقول» وهو تحريف.
(٤) الدهماء: جماعة الناس، وعرض الناس بالضم ويفتح: معظمهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>