للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشكّا، والذى يقول أهل القصد من المسلمين هو أقوى للأمر، وأعزّ للسلطان، وأقمع للمخالف، وأرضى للموافق، وأثبت للعذر عند الله عز وجل.

فإنا قد سمعنا فريقا من الناس يقولون: لا طاعة للمخلوق فى معصية الخالق، بنوا قولهم هذا بناء معوجّا فقالوا: إن أمرنا الإمام بمعصية الله فهو أهل أن يعصى، وإن أمرنا الإمام بطاعة الله فهو أهل أن يطاع، فإذا كان الإمام يعصى فى المعصية، وكان غير الإمام يطاع فى الطاعة، فالإمام ومن سواه على حقّ الطاعة سواء، وهذا قول معلوم يجده الشيطان ذريعة إلى خلع الطاعة، والذى فيه أمنيّته لكى يكون الناس نظائر، ولا يقوم بأمرهم إمام، ولا يكون على عدوّهم منهم ثقل.

سمعنا آخرين يقولون: بل نطيع الأئمة فى كل أمورنا، ولا نفتّش عن طاعة الله ولا معصيته، ولا يكون أحد منا عليهم حسيبا، هم ولاة الأمر وأهل العلم، ونحن الأتباع وعلينا الطاعة والتسليم، وليس هذا القول بأقلّ ضررا فى توهين (١) السلطان، وتهجين الطاعة، من القول الذى قبله، لأنه ينتهى إلى الفظيع المتفاحش من الأمر، فى استحلال معصية الله جهارا صراحا (٢).

وقال أهل الفضل والصواب: قد أصاب الذين قالوا: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، ولم يصيبوا فى تعطيلهم طاعة الأئمة، وتسخيفهم إياها، أصاب الذين أقرّوا بطاعة الأئمة لما حقّقوا منها، ولم يصيبوا ما أبهموا من ذلك فى الأمور كلّها.

فأمّا إقرارنا بأنه لا يطاع الإمام فى معصية الله، فإنما ذلك من عزائم الفرائض والحدود التى لم يجعل الله لأحد عليها سلطانا، ولو أن الإمام نهى عن الصلاة والصيام والحج، أو منع الحدود وأباح ما حرّم الله، لم يكن له فى ذلك أمر.

فأمّا إثباتنا للإمام الطاعة فيما لا يطاع فيه غيره، فإن ذلك فى الرأى والتدبير والأمر


(١) التوهين: الإضعاف، والتهجين: التقبيح.
(٢) يقال: شتمه مصارحة وصراحا بالضم والكسر: أى مواجهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>