للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى جعل الله أزمّته وعراه بأيدى الأئمة، ليس لأحد فيه أمر ولا طاعة، من الغزو والقفول (١)، والجمع والقسم، والاستعمال والعزل، والحكم بالرأى فيما لم يكن فيه أثر، وإمضاء الحدود والأحكام على الكتاب والسّنة، ومحاربة العدو ومخادعته، والأخذ للمسلمين والإعطاء عليهم، وهذه الأمور وأشباهها من طاعة الله عز وجل الواجبة، وليس لأحد من الناس فيها حق إلا الإمام، ومن عصى الإمام فيها أو خذله فقد أوتغ (٢) نفسه، وليس يفترق هذان الأمران إلا ببرهان من الله عز وجل عظيم، وذلك أن الله جعل قوام الناس وصلاح معاشهم ومعادهم فى خلّتين: الدّين والعقل، ولم تكن عقولهم- وإن كانت نعمة الله عز وجل عظمت عليهم فيها- بالغة معرفة الهدى، ولا مبلغة أهلها رضوان الله، إلا بما أكمل لهم من النعمة، بالدّين الذى شرع لهم، وشرح به صدر من أراد هداه منهم، ثم لو أنّ الدّين جاء من الله لم يغادر حرفا من الأحكام والرأى والأمر وجميع ما هو وارد على الناس، وجار فيهم مذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى يوم يلقونه إلا جاء فيه بعزيمة، لكانوا قد كلّفوا غير وسعهم، فضيّق عليهم فى دينهم، وأتاهم ما لم تتّسع (٣) أسماعهم لاستماعه، ولا قلوبهم لفهمه، ولحارت عقولهم وألبابهم التى امتنّ الله بها عليهم، ولكانت لغوا لا يحتاجون إليها فى شىء، ولا يعملونها إلا فى أمر قد أتاهم به تنزيل، ولكن الله منّ عليهم بدينهم الذى لم يكن يسعه رأيهم، كما قال عباد الله المتّقون: «وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ».

ثم جعل ما سوى ذلك من الأمر والتدبير إلى الرأى، وجعل الرأى إلى ولاة الأمر، ليس للناس فى ذلك الأمر شىء إلا الإشارة عند المشورة، والإجابة عند الدّعوة، والنصيحة بظهر الغيب، ولا يستحقّ الوالى هذه الطاعة إلا بإقامة العزائم والسّنن مما هو فى معنى ذلك، ثم ليس من وجوه القول وجه يلتمس فيه إثبات فضل


(١) القفول: الرجوع.
(٢) أوتغ نفسه: أهلكها.
(٣) فى الأصل «تسع» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>