للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذر، ولا فى تضييع حق ذى الحجة حجة، ومن أشدّ جهلا، وأفظع عذرا، ممن لم يعرف النعمة، ولم يقبل العافية؟ نعوذ بالله أن نكون من الذين لا يعقلون.

فتفهّموا ما أنا ذاكر لكم، وتدبّروه بالحق والعدل، فإن المرء ناظر بإحدى عيون ثلاث، وهما الغاشّتان والصادقة- وهى التى لا تكاد توجد-: عين مودة تريه القبيح حسنا، وعين شنآن (١) تريه الحسن قبيحا، وعين عدل تريه حسنها حسنا، وقبيحها قبيحا.

فتفكّروا فيما جمع الله لأمير المؤمنين فى معدنه وفى سيرته، وفيما ظاهر عليكم من النعمة والحق والحجة بذلك فيما عسى القائل أن يبتغى فيه المغمز والمقال، فلعمرى إن للشيطان من أهواء الناس وألسنتهم فى الأمر لنصيبا، وإنه لمستراحا بينهم، يستوفيهم أمنيّته، ويصدّق عليهم ظنّه، ويوحى إليهم بمكايده، فجعل الله كيده ضعيفا، وحزبه مغلوبا، وجعله وإياهم نصيبا لجهنم من أجزائه المقسومة لأبوابها وحطبها ووقودها وحصبها (٢) ليعدل لها.

فمن كان سائلا عن حق أمير المؤمنين فى معدنه، فإن أعظم حقوق الناس منزلة، وأكرمها نسبة، وأولاها بالفضل، حقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة، وإمام الهدى، ووارث الكتاب والنبوة، والمهيمن (٣) عليهما، وخاتم النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين، بعثه الله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ثم هو باعثه يوم القيامة مقاما محمودا، شرع الله به دينه، وأتمّ به نوره على عهده، ومحق رءوس الضلالة، وجبابرة الكفر، وخوّله الشفاعة، وجعله فى الرّفيق الأعلى، صلى الله عليه وسلم». (اختيار المنظوم والمنثور ١٢: ١٦٠)


(١) الشنآن: البغض والكراهية.
(٢) الحصب: الحطب: وما يرمى به فى النار.
(٣) المهيمن: الأمين أو المؤتمن أو الشاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>