للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا ما ذكرت من إبطاء الدهر عنك بالتقوية على مساعدتى، فكأنك عنيت بهذه الكلمة [أنّ صداقتك لى من ذات (١)] الأيدى، فإن كنت عنيت، فما أشنع ما ألزمتنى ونفسك من قبيح الخلق، وقد يردّ عنى فورة الغضب أنك لم تقل ذلك قاصدا، واستدللت على أنك لم تقصد له، بأنك بنفسك بدأت بالإفحاش، وسأصغّر لك ما صغر الله من ذات الأيدى التى تقطّع إليها أعناق السّخفاء، وأعظّم لك منزلة المودة بتدبير العقل، بما عظّم الله منها؛ ألا ترى رحمك الله أن العقل يكسب المال، وأن المال معجوز به عن مكسبة العقل، حسبى وحسبك ممن لم تكن له أخا أن تجعله أخا، وحسبنا ممن كان بعيدا أن نجعله قريبا، وحسبنا من المخالفين أن يكونوا موافقين. فأمّا ما تملك الأيدى، فإنى لا أدرى: أما خدعت العدوّ عنه أكثر، أم ما تناولته بغير المؤامرة (٢) من مال الصديق؟ فإن بلغت حدّ المؤامرة، فذلك وصم (٣) فى صداقة المأخوذ منه، أو عجز من الآخذ من صديقه؛ قد مضى لك إخوان لم تلحقهم، وآخرون كثير أنت بين أظهرهم لم تعرفهم، كان الرجل منهم يكره أن يعد إخوانه الوفاء، فيضرّ اختلاط المواعيد بصادق النية المكسوب عليها، مع ما فى المواعيد من التغرير بالعجز عنها، وما فى الزمان من الخيانة لأهله، وما فى الاختلاط (٤) من الضعف.

أما إنى قد كنت أرى مكان الموافقة فى الجواب، فأتعجّل حاضر سرورك بذلك، وتجرى بيننا وبينك الخديعة والرياء، فتركب (سبيل) السّفلة الذين أغلب الأشياء عليهم الملق، ولكن حرّكتنى المودة بالتأديب لبعض تلك المحرّكات فيما مضى حين عاودتنى المكاتبة بالمناسمة (٥)، وإنى قد علمت أنّ كل ذى عقل ذو حاجة، وأن


(١) ما بين القوسين بياض بالأصل» وقد زدته لتستقيم العبارة.
(٢) المؤامرة: المشاورة.
(٣) عيب وعار.
(٤) فى الأصل «وما .... لاختلاط».
(٥) ناسمته: شاممته، وجدت ريحه ووجد ريحى، والمعنى بتنسم أخبارك.

<<  <  ج: ص:  >  >>