للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له فى قلوب أنصار الدّين الذين ابتعثهم لنا مثل ابتدائه لنا أوّل أمرنا، وأشرب قلوبهم موّدته، وقسم فى صدورهم محبّته، فصاروا لا يذكرون إلا فضله، ولا ينوّهون (١) إلا باسمه، ولا يعرفون إلا حقّه، فلما رأى أمير المؤمنين ما قذف الله فى قلوبهم من مودته، وأجرى على ألسنتهم من ذكره، ومعرفتهم إياه بعلاماته واسمه، ودعا العامّة إلى طاعته، أيقنت نفس أمير المؤمنين أنّ ذلك أمر تولّاه الله وصنعه، لم يكن للعباد فيه أمر ولا قدرة ولا مؤامرة ولا مذاكرة، للّذى رأى أمير المؤمنين من اجتماع الكلمة، وتتابع العامّة، حتى ظن أمير المؤمنين أنه لولا معرفة المهدىّ بحقّ الأبوّة لأفضت الأمور إليه، وكان أمير المؤمنين لا يمنع مما اجتمعت عليه العامّة، ولا يجد مناصا عن خلاص ما دعوا إليه، وكان أشدّ الناس على أمير المؤمنين فى ذلك الأقرب فالأقرب من خاصّته وثقاته من حرسه وشرطه، فلم يجد أمير المؤمنين بدّا من استصلاحهم ومتابعتهم، وكان أمير المؤمنين وأهل بيته أحقّ من سارع إلى ذلك، وحرص عليه ورغب فيه، وعرف فضله، ورجا بركته، وصدّق الرّواية فيه، وحمد الله إذ جعل فى ذرّيّته مثل ما سألت الأنبياء قبله، إذ قال العبد الصالح (٢): «فهب لى من لدنك وليّا. يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّا». فوهب الله لأمير المؤمنين وليّا، ثم جعله تقيّا مباركا مهديّا، وللنبى صلى الله عليه وسلم سميّا، وسلب من انتحل هذا الاسم (٣)، ودعا إلى تلك الشّبهة التى تحيّر فيها أهل تلك النّيّة، وافتتن بها أهل تلك الشّقوة، فانتزع ذلك منهم، وجعل دائرة السّوء عليهم، وأقرّ الحقّ قراره، وأعلن للمهدىّ مناره، وللدين أنصاره.


(١) نوه بفلان: إذا رفعه وطير به.
(٢) هو زكريا عليه السلام.
(٣) يعنى النفس الزكية، وكان يلقب بالمهدى- انظر ص ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>