للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره، ولا نفاذ لها إلا به، يجريها على أذلالها (١)، لا يستأمر (٢) بها وزيرا، ولا يشاور فيها معينا، ولا يلتبس عليه شىء أراده، يمضى قضاؤه فيما أحبّ العباد وكرهوا، لا يستطيعون منه امتناعا، ولا عن أنفسهم دفاعا، ربّ الأرض ومن عليها، له الخلق والأمر، تبارك الله ربّ العالمين.

ثم إنك قد علمت الحال التى كنّا عليها فى ولاية الظّلمة: كيف كانت قوّتنا وحيلتنا، لما اجترأ عليه أهل بيت اللّعنة علينا، فيما أحببنا وكرهنا، فصبرنا أنفسنا على ما دعونا إليه، من تسليم الأمور إلى من أسندوها إليه، واجتمع رأيهم عليه، نسام الخسف (٣)، ونوطأ بالعسف، لا ندفع ظلما، ولا نمنع ضيما، ولا نعطى حقا، ولا ننكر منكرا، ولا نستطيع لها ولا لأنفسنا نفعا، حتى إذا بلغ الكتاب أجله، وانتهى الأمر إلى مدّته، وأذن الله فى هلاك عدوّه، وارتاح بالرحمة لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، فابتعث الله لهم أنصارا يطلبون بثأرهم، ويجاهدون عدوّهم، ويدعون إلى حبّهم، وينصرون دولتهم، من أرضين متفرّفة، وأسباب مختلفة، وأهواء مؤتلفة، فجمعهم لله على طاعتنا، وألّف بين قلوبهم بمودّتنا على نصرتنا، وأعزّهم بنصرنا، لم نلق منهم رجلا، ولم نشهر معهم سيفا، إلّا ما قذف الله فى قلوبهم، حتى ابتعثهم لنا من بلادهم ببصائر نافذة، وطاعة خالصة، يلقون الظّفر، ويعودون بالنصر، وينصرون بالرّعب، لا يلقون أحدا إلا هزموه، ولا واترا إلا قتلوه، حتى بلغ الله بنا بذلك أقصى مدانا، وغاية منانا، ومنتهى آمالنا، وإظهار حقنا، وإهلاك عدوّنا، كرامة من الله جلّ وعزّ لنا، وفضلا منه علينا بغير حول منا ولا قوّة.

ثم لم نزل من ذلك فى نعمة الله وفضله علينا، حتى نشأ هذا الغلام (٤)، فقذف الله


(١) يقال: أمور الله جارية أذلالها (بالنصب) وعلى أذلالها: أى مجاريها، جمع ذل بالكسر، وذل الطريق: محجته.
(٢) الاستئمار والمؤامرة: المشاورة.
(٣) سامه الخسف: أولاه الذل. والعسف: الظلم:
(٤) يعنى ابنه محمدا المهدى.

<<  <  ج: ص:  >  >>