للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الله، وأمر نحن فيه سواء، ليس لأحد من المسلمين فيه رخصة (١) دون أحد، فإن وجب وفاء فيه فما الأول بأحقّ به من الآخر، وإن حلّ من الآخر شىء فما حرّم ذلك من الأول، بل الأول الذى تلا خبره، وعرف أثره، وكشف عما ظنّ به وأمّل فيه أسرع، وكان الحقّ أولى بالذى أراد أن يصنع أوّلا، فلا يدعك إلى الأمن من البلاء اغترار بالله، وترخيص للناس فى ترك الوفاء، فإنّ من أجابك إلى ترك شىء وجب لى، واستحلّ ذلك منى، لم يحرج (٢) إذا أمكنته الفرصة، وأفتنته (٣) بالرّخصة، أن يكون إلى مثل ذلك منك أسرع، ويكون بالذى أسّست من ذلك أنجع، فاقبل العافية (٤)، وارض من الله بما صنع، وخذ ما أوتيت بقوّة، وكن من الشاكرين، فإن الله جلّ وعز زائد من شكره، وعدا منه حقّا لا خلف فيه، فمن راقب الله حفظه، ومن أضمر خلافه خذله، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصّدور، ولسنا مع ذلك نأمن من حوادث الأمور، وبغتات الموت، قبل ما ابتدأت به من قطيعتى، فإن يعجل بى أمر كنت قد كفيت مئونة ما اغتممت له، وسترت قبح ما أردت إظهاره، وإن بقيت بعدك لم تكن أو غرت (٥) صدرى، وقطعت رحمى، ولا أظهرت (٦) أعدائى فى اتّباع أثرك، وقبول أدبك، وعمل بمثالك.

وذكرت أن الأمور كلّها بيد الله هو مدبّرها ومقدّرها ومصدرها عن مشيئته، فقد صدقت، إنّ الأمور بيد الله، وقد حقّ على من عرف ذلك ووصفه العمل به، والانتهاء إليه.


(١) الرخصة: ترخيص الله للعبد فيما يخففه عليه، والتسهيل. والمعنى: ليس لأحد منهم أن يتحلل منه، بل يجب عليهم جميعا الوفاء به.
(٢) حرج كفرح: أثم.
(٣) فتنه كضربه وفتنه وأفتنه: أوقعه فى الفتنة.
(٤) فى الأصل «العاقبة» وهو تصحيف.
(٥) الوغر ويحرك: الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيظ، وفى الأصل «أو عرت» وهو تصحيف.
(٦) ظهر عليه: غلبه وقوى عليه، وأظهره عليه: أعانه عليه وأظفره به.

<<  <  ج: ص:  >  >>