للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنا لسنا جررنا إلى أنفسنا نفعا، ولا دفعنا عنها ضرّا، ولا نلنا الذى عرفته بحولنا ولا قوتّنا، ولو وكلنا فى ذلك إلى أنفسنا وأهوائنا، لضعفت قوتنا، وعجزت قدرتنا فى طلب ما بلغ الله بنا، ولكن الله إذا أراد عزما لإنفاذ أمره، وإنجاز وعده، وإتمام عهده، وتأكيد عقده، أحكم إبرامه، وأبرم إحكامه، ونوّر إعلانه، وثبّت أركانه، حين أسّس بنيانه، فلا يستطيع العباد تأخير ما عجّل، ولا تعجيل ما أخّر، غير أن الشيطان عدوّ مضلّ مبين، قد حذّر الله طاعته، وبيّن عداوته، ينزغ (١) بين ولاة الحق وأهل طاعته، ليفرّق جمعهم، ويشّتت شملهم، ويوقع العداوة والبغضاء بينهم، ويتبرأ منهم عند حقائق الأمور، ومضايق البلايا، وقد قال الله عز وجل فى كتابه: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

ووصف الذين اتقوا فقال: «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ»

فأعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يكون نيته وضمير سريرته خلاف ما زيّن الله به جلّ وعزّ من كان قبله، فإنه قد سألتهم أبناؤهم، ونازعتهم أهواؤهم إلى مثل الذى همّ به أمير المؤمنين، فآثروا الحق على ما سواه، وعرفوا أن الله لا غالب لقضائه، ولا مانع لعطائه، ولم يأمنوا مع ذلك تغيير النّعم، وتعجيل النّقم، فآثروا الآجلة، وقبلوا العافية، وكرهوا التغيير، وخافوا التبديل، فأظهروا الجميل، فتمّم الله لهم أمورهم، وكفاهم ما أهمّهم، ومنع سلطانهم، وأعزّ أنصارهم، وكرّم أعوانهم، وشرّف بنيانهم، فتمت النعم، وتظاهرت (٢) المنن، فاستوجبوا الشكر، فتمّ أمر الله وهم كارهون، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله».

***


(١) نزغ بينهم كمنع: أفسد وأغرى ووسوس، قال تعالى «مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي» وفى الأصل «ينزع» وهو تصحيف.
(٢) معناه: نضاعفت، يقال ظاهر بين ثوبين أى لبس أحدهما على الآخر وتظاهروا عليه: تعاونوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>