للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوضيعة لخلق رفعهم الله إليه حتى نسب إليهم ونسبوا إليه، فسمّى لهم فعلا وسموا له فعلا (١) وأولى من ألبسته (٢) نعمة، وأجرى لها على الألسن صفة، أن يكون عمله موافقا لما صنع الله به، ولا يكون لما أصلح منه مفسدا، ولا يكون (٣) له مخالفا.

ولم أزل أتعرّف من نعم الله عز وجل علىّ، قديما وحديثا، ويافعا ومسنّا، فيما أبلانى (٤) وأظهر منى، وأثبت معرفته عند الناس، ما أصبحت أرى استصلاحه والتوقّى لتغيّره حقا علىّ واجبا، فليس (٥) من كانت منه فجيعة لأهل الإخاء والحرمة الذين ارتادوا ارتيادا، واختار واختاروا، فوقع رأيه عليهم، ووقع رأيهم عليه، وارتضوه لأنفسهم، وارتضاهم لنفسه، واقتصروا عليه بمودتهم، واقتصر عليهم بمودّته، فحمّلوه أخوّتهم، وحمّلهم أخوّته، واسترعوه الوفاء لهم، حتى ثبّت الله بينهم وبينه ما كان داعيا لكل رأى جميل، نافيا لكل صنيع معيب، وأمر مريب، فأىّ نقص أكثر، وأىّ دناءة أبين، من أن يكون امرؤ بمنزلة ثقة، قد حفظت منه حرمة، واعتقدت بها عليه أمانة، فوجبت منه مصافاة، وانتظرت منه صلة، ثم ينكشف عن خيانة وغدر وقطيعة وفجعة؟ ثم أحقّ من كنت له على الجميل فيما بينى وبينه، أهل الفضل فى المنزلة، والثقة فى المكافأة، والأمانة فى الوفاء، والجمال فى الإخاء، الذين (٦) يرغب فيهم إنعامه، ويوثق بحفظهم اليسير من الحرمة، فما كنت لأقطع خاصّتى ممن يرغب فى عامتى، ولا لأضيّع الكثير ممن لا يضيع اليسير، ولا ألقى أخا شاهدا، بغير ما أكون عليه غائبا، فأكون قد لقيته بدلّ (٧)، وغبت


(١) جمع فعول كصبور.
(٢) فى الأصل «السنة» وهو تحريف.
(٣) فى الأصل «ولم يكن».
(٤) أبلاه الله: أنعم عليه وأحسن إليه.
(٥) تنبه إلى أن خبر ليس لم يرد بعد فى الكلام، إلا أن يكون محذوقا لأنه مفهوم من السياق.
(٦) فى الأصل «لا الذين» والكلام على الإثبات لا على النفى، وإنعامه: زيادته.
(٧) الدل (والهدى يفتح فكون والسمت أيضا): الحالة التى يكون عليها الإنسان، من السكينة والوقار فى الهيئة وحسن المنظر والشمائل والسيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>