للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه بقذر (١)، ويكون قد استودعنى شيئا حفظت ضدّه وسترت سواه، بل أنا لأخى حين يغيب عنى وأرعاه، أحفظ منّى حين يشاهدنى فيعاين ما يكون منى، ولم يكن ليمتّ (٢) بالأسباب إلىّ أهل الفضل والأحساب، لا يدعونى إليهم إلا الرغبة فيهم، والتزيّن بأحسابهم، والاستعداد بعددهم، حتى إذا استحكمت حرمتهم وتظاهرت، ووجبت وعظمت وصرت إمّا محافظا يزينه حفاظه، وإما مضيّعا يشينه تضييعه (٣) عملت فى ذلك بما يقطع ما أردت صلته، ويشين ما أردت زينه، ويصير علىّ ولا يصير لى، ويزهّد فىّ نظراءهم، إذا مددت بالأسباب إليهم، فأكون عند من اعتقدت إخاءه مقليّا (٤)، قد تغيّرت عنده منزلتى، ومن أردت استعارة مودّته مكروها، لا يقبل ذلك منى، إنى إذن إلى نفسى لمسىء، وبحظّى لمخطئ، وما كنت لأختار الإخوان على فضلهم، ثم أسير فيما بينى وبينهم بما يخالف أخطارهم (٥) ومنازلهم، لبئس (٦) إذن ما خالطت به الأكفاء، وراقبت به الحرم، وأسلمت (٧) به المودة التى قد أعطى الله فيها النعم، وأترك (٨) مخالطة الأكفاء قبل اعتقادها، وإن كان الفضل فيما بيننا أحسن من إيجاب حقها، ثم الاستخفاف بها، فإن المجانب المستور خير من المحافظ المذموم، ومن ليم على جميل لم يتناوله، أحسن ممن ليم على سمج (٩) قد أتاه.

وإنه بلغنى أن غاشّا ظالما أتاك بأمر، لم أكن له أهلا، ولم تكن بقبوله خليقا، لأنى لم أكن لأشباهه معروفا، ولم أكن على استماع مثله مخوفا، فوجد فيك مساغا، وعندك مستقرّا، وكنت أحسن منازل إخوانك عندك، والثقة لهم منك فى حصن


(١) فى الأصل «وعتب عند تعذر» وهو تحريف.
(٢) أى ليتوسل.
(٣) فى الأصل هكذا «يشينه تضيه».
(٤) قلاه كرماه ورضيه: أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه.
(٥) الأخطار: جمع خطر بالتحريك: وهو القدر.
(٦) فى الأصل «ليسير».
(٧) أى خذلت.
(٨) والمعنى: وإنه لجدير بى أن أترك مخالطتهم مادام حالى فى السير معهم على ما ذكر، التقدير: وإنى إذن أترك ... الخ.
(٩) سمج كشمس وكتف: قبيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>