للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاجة كثير من الصديق فى السلطان إلا أن يأكلوك ويأكلوا بك، ويتعجّلوا يومك من غدك، ولا ينظرون لك ولا يبالون ما دخل- إذا أصابوا- فى جنبك، فكانت جاجتى الإبقاء عليك، والادّخار لك، والاستغفار لما يتعجّل المتعجّلون منك مع ما أؤمل فيك، ولم تكن حاجتهم حين نبا بك الزمان إلا أن يخذلوك ويدفنوا مودتك ويميتوا ذكر إخائك، ويتقرب أكثرهم بك، ويسمو بعداوتك، وإن كانوا قد أخلّوا بصداقتك (١)، وكانت حاجتى حفظك وحياطتك، أفما كان فى هذا ما تردّ به عنى بغى باغ، وسعاية ساع؟ ما كنت لأعادى من غشّك، وأعتتب (٢) بالغشّ لك! ولا لأوالى من ناصحك وأقطع نصيحتى لك! ولا لأعرّض نفسى فيك وأستخفّ بعد ذلك بحقك! فأكون عونا لمن عاديته فيك، مفارقا لمن واليت فيما واليته عليه، معرّضا فى أمر لأسلّم له ما قبلى، لقد بحمد الله خبرنى الإخوان فى طول هذا الزمان، فبغير هذا عرفونى، وعلى (٣) غيره احتملونى، فما (٤) كنت لأعايشك بغير ما عايشتهم، ولا لأعمل (٥) فى إخائك بغير ما عملت فى إخائهم، وأنت أعظمهم منزلة، وأقدمهم مودة، وأكملهم ثقة، وأزينهم أخوّة، وأجملهم محافظة، فما أعظم عندى أن أنزل منزلة استخفاف بحقك، أو تهمة عندك على براءة فيما بينى وبينك! فإنه إن تكن البراءة أخرجتنى من التقصير عندك فى الظن بك، فغفر الله لك، لقد جرى على لسانك ما لم يجر على لسان أخ قبلك، واضطررتنى فى إخائك إلى معاذير لم يضطرّنى إليها أحد سواك، ولو لم أكن بفضلك عارفا، وعلى نصيبى منك شحيحا، لشححت على ما سلف


(١) فى الأصل «وإن كان قد دخلوا صداقتك» وهو تحريف، وعندى أن هذه الجملة مقحمة فى الكلام، إذ الأولى حذفها.
(٢) اعتتب: رجع عن أمر كان فيه إلى غيره، وفى الأصل هكذا «واعتتب».
(٣) فى الأصل «ولعل» وهو تحريف.
(٤) فى الأصل «فيما» وهو تحريف.
(٥) فى الأصل «لأتحمل» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>