للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منى فيما بينى وبينك أن يذهب باطلا، ويصير ضائعا، ويتحول حسنه قبيحا، ومعروفه منكرا، ولو كانت منك إساءة فيما بينى وبينك لرأيت أن قد وجب علىّ من حقك ما يوجب احتمال ذلك، فكيف أهتك حرمتك عن غير إساءة منك؟

ولو أنى قد هجوتك لكنت لنفسى بهجائك، أهجى منى لك، لأنى بذلك لها مكذب فيما سلف من مدحتى إياك، وثنائى عليك، وقولى فيك! فهل يهجو امرؤ غيره بأشدّ من إكذابه نفسه؟ مع قطع الأخوّة، وهتك الحرمة، ولو كنت شاعرا ألتمس بشعرى موضعا، وأطلب له مخرجا، ما جعلت مخرجى فى صديقى، الذى هجاؤه علىّ أشدّ منه عليه، فإن ظهر افتضحت، وإن خفى احتفظت، ولو وجدت من أهل الدناءة والسّفاه من شينه بهم ألصق، وهم به أحقّ، ما أنا بالقول فيهم بحرىّ (١)، وايم الله إنى لأرى الشعر فى جميل الأمور، وحسن الثناء على الصديق قبيحا، فكيف إذا كان فى الظلم العدوان، والفجعة للإخوان؟ فاجتمعت نقيصة الشعر ونقيصة الغدر، ولقد ثقل علىّ ما كان من ذلك وهو باطل، صونا للنفس عنه، فكيف أرضى أن يكون منى ما أستحقّه به؟ وإنى لأرجو أن أكون ممن يصبر للوفاء على بليّة إن نزلت، فكيف أخرج منه بغير اضطرار إلى غيره؟ ، ولو كنت على وقع عليه (٢) لكنت بالنقص على نفسى مقرّا، وكيف أسخط على من أساء القول إلىّ، إذا أسأت الفعل إلى نفسى؟ وأسرّ بأن يحسن لى القول وأنا مسىء إلى نفسى فى الفعل؟ فهلّا رغبت بى أن أكون أتيت ذلك، كما رغبت بك عن التصديق به فيما بينى وبينك! ولكنك حبست كتبك عنا وقطعت تعهّدك، ونحن نحسن الظن بك، وبحالنا عندك، لا ننزل ذلك إلا على العذر لك، والشعل منك، ثم إخراجك ما أخرجت إخراج


(١) فى الأصل «ولو وجدت من أهل الدناءة والسفاه فاسدلهم بهم ألصق وهم به أحق وأنا للقول فهم وهم فيه أحرى» وقد أصلحتها كما ترى.
(٢) أى على الاضطرار إلى غير الوفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>