للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبلغا لا يضيره (١) معه عداوة عدو، ولا خذلان خاذل، ولا يستجيش (٢) من لم ينصره اليوم لو لم يكن له نصير.

وقد رآك أمير المؤمنين خلطت اعترافا باعتذار، وتنصّلا بمجاحدة، فأمّا الذنب فمغفور متجاوز عنه، وأما العذر والحجة فلم يعرفهما أمير المؤمنين، ولم يثبتا لك، ولو ثبتا لك لم يزد ذلك من رضاه عنك، ورأيه فيك، على ما رأيت مستحكما لك عنده.

وأمّا قرب بعض أصحابك لبعض حتى يدعوهم ذلك إلى الشهادة بسفك دمائهم، فإن ذلك قد عمّ الناس بكل أفق، وهو راجع إليك جوابا يجب أن تفهمه وتدبّره، وهو يستعيذ بالله من زلل (٣) الغىّ، وخطل القول، وشبهات العمل، وزينة الهوى، وخطرات الشيطان.

اعلم أن هذا الجند الذين استرعيتهم، وأعنت بطاعتهم ونصرتهم، من أفضل أهل الأرض عليك حقا، وأن حقّهم هو حقّ الله عز وجل، وحق أمير المؤمنين، وحق همّة نفسك على نفسك، وأنه إن وصل إلى أقصاهم دارا، أو أدناهم منزلا، ضياع، كان ذلك لك ماسّا ولو لم تشعر به، وأنك لا تقدر لهم على شىء مما تلتمس به صلاح أمورهم، من بذل مال، أو مواساة بنفس، هو أعمّ لهم نفعا، وأغزر عليهم غناء، من أدب صالح تأخذهم به، وسيرة صالحة تحملهم عليها، من العفاف فى الدين، والحضور للصلوات، والتعلّم للقرآن، والتكرّم فى الأخلاق، والتزيّن بالوقار والصدق والكفّ عن الشبهة، مع أن عفو الوالى عما بدا له أن يعفو عنه، ليس ذلك بإبطال شهادة من شهد عليه، وإنما يكون ذلك لو كانت حقوقهم فيما بينهم، فلا يستطيع الإمام أن يبطلها، وأما إذا كان الحق حقّ الإمام يمضى فيه ما أحبّ، ويعفو عما أراد، فمن ذا الذى يخاصمه فى حقه، وينهاه عن التثبّت فيما اشتبه عليه، والعفو فيما أحبّ العفو عنه؟ أو ليس قد يكفر الرجل بعد إيمانه، ثم يثبت ذلك عليه، إمّا بإقراره، وإما ببيّنة


(١) ضاره يضيره: ضره.
(٢) استجاشه: طلب منه جيشا، أى استنصره.
(٣) فى الأصل «من ذلك» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>