للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عهد أمير المؤمنين حديثا بغشم (١) الحرب التى لم تكن تكفّ أيدى شيعته عما بسطوها إليه ولكنه لا تستوى السيرة قبل الإنجاز وبعده، بذلك مضت سنن الله عز وجل، حتى حرّم الله على الأنبياء أن تكون لهم أسرى حتى يثخنوا فى الأرض، وأمر بضرب الرقاب فإذا أثخنوا فالمنّ أو الفداء (٢) وليس من سعى فى طاعته فى البسط أمسّ بأجسم بلاء ممن انتهى إلى أمره فى الكفّ اليوم، فإنما الطاعة كلها بمنزلة قربان وتمحيص يحول بين الناس وبين أهوائهم، لأن الحق لا يتبع الهوى، ولا يجرى على شهوات النفوس، فمن أراد الله به الخير محّصه فأخلض إيمانه، وأنفذ بغيته، وألهمه عزائم الصبر عند ما يثقل عليه من الحق، ويخفّ عليه من الباطل، ومن يتّبع هواه فى كفّ أو بسط محقه الله عزّ وجلّ وخذله.

قد علم أمير المؤمنين أن للشيطان من كل قوم قسما يحتبيهم (٣) ويصدّق عليهم ظنّه، ولو كان ذلك مخطئه من قوم أخطأه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وقع هذا الحق بمراغم الشيطان ومكارهه، فليس تاركه جهدا، وليس وبال ذلك كله كائنا إلّا على أوليائه ومستجيبيه، وأمير المؤمنين يرجو أن يكون الله قد بلغ بحقّه


(١) الغشم: الظلم، والمعنى بشدتها.
(٢) قال تعالى: «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» - يثخن: أى يبالغ فى قتل الكفار- وذلك «أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى يوم بدر بسبعين أسيرا. فاستشار أصحابه فيهم، فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء أهلك وقومك قد أعطاك الله النصر عليهم، استبقهم لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك، وقال عمر: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وقد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك، فرأى عليه الصلاة والسلام رأى أبى بكر، وأخذ الفداء من الأسرى، فنزلت الآية عتابا له فى قبول الفدية، ثم نسخت بقوله تعالى: «فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً» أمره سبحانه بالإثخان فى الكفار الذين يصدون عن سبيل الله، ومنعه عن قبول الفدية منهم- وذلك حين كانت الشوكة للمشركين- ثم خير بين المن والفداء لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين».
(٣) اجتباه: اختاره.

<<  <  ج: ص:  >  >>