للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما خوّف على ذلك من الندامة (١)، فليس يبرح المرء بخير ما فرغ لقول الله عز وجل واتعظ واستيقظ.

وأما ما ذكرت من كذا، فليس يبعد أن يدعو إلى «خالد» التّهمة، وإلى «ابن ماهان» المعذرة، فإنما العجلة مستراح المريب، والبدار بالأمور أمر من ليس على ثقة من رأيه، ومن لا يرجو أن يكون التثبّت لقوله مصدّقا، ولرأيه منفّذا، فمن أخذ بهذا الرأى، وأنزل أحدا منزل تهمة وهو غير ظنين (٢) فقد أعظم الجريرة.

وأمّا ما سألت من البعثة إليك فرأى أمير المؤمنين البيان الذى يذهب عنه ريب الشك، ولبس الشبهة فيما تحمله من أمر عيسى، ومادام على الثقة واليقين فليست منزلتك عند أمير المؤمنين بالمتلوّنة، فيكون الناس مجازا إلى انتقامك، وقد صدّق أمير المؤمنين قولك، وعذر خالدا باعتذارك، وتجاوز عما لا عذر فيه، غير أنه ليس يحبّ لنفسه من العجلة وسرعة المبادرة، ما يكره لكم، ولا يرضى منها بمثل ما يسخط منكم، ولا يريد المخالفة إلى ما بنهى عنه.

وأما الشر الذى كان يثيره لو كان نفّس (٣) عنه، فمما لم يكن ليدافعه ولا ليستظهر عليه بمثل طاعة الله عز وجل وتقواه، ولزوم الأمر ذى الحجة والعذر، ولو ميّل (٤) أمير المؤمنين بين أن تقع كريهة ذات شوكة يزاول (٥) خطرها، ويعالج مؤنتها، وبين أن يأخذ بشبهات الأمور المبهمة، حذرا لما عسى أن يقع، لا ختار ذات الشوكة بأن يحمل (٦) بليّتها على التحفظ والإقدام على الشبهة بغبر بيّنة، ليس ذلك إلا أن يكون


(١) قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ».
(٢) الظنين: المتهم.
(٣) نفس عنه: فرج.
(٤) ميل بين أمرين: يقال: إنى لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما، أيهما آتى: أى أتردد وأرجح
(٥) فى الأصل «نزلت» وأرى أنه محرف وصوابه «يزاول» أو «يرد» أو «يزيل».
(٦) فى الأصل «ينحل» وأراه محرفا، وربما كان يحيل أو «ينحى» أى يوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>