للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإن أحقّ ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم وخواصّهم وعوامّهم فى أمورهم وأحكامهم، العمل بينهم بما فى كتاب الله، والاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبر على ذلك والمواظبة عليه، والرضا به فيما وافقهم وخالفهم، للّذى فيه من إقامة حدود الله، ومعرفة حقوقه، واتّباع مرضاته، وإحراز جزائه وحسن ثوابه، ولما فى مخالفة ذلك والصّدود عنه وغلبة الهوى لغيره، من الضلال والخسار فى الدنيا والآخرة.

وقد كان من رأى معاوية بن أبى سفيان فى استلحاقه زياد بن عبيد، عبد آل علاج من ثقيف، وادعائه ما أباه بعد معاوية عامّة المسلمين، وكثير منهم فى زمانه، لعلمهم بزياد وأبى زياد وأمّه، من أهل الرضا والفضل والفقه والورع والعلم، ولم يدع معاوية إلى ذلك ورع ولا هدى، ولا اتباع سنّة هادية، ولا قدوة من أئمة الحق ماضية، إلّا الرغبة فى هلاك دينه وآخرته، والتصميم على مخالفة الكتاب والسّنّة، والعجب بزياد فى جلده ونفاذه، وما رجا من معونته وموازرته إياه على باطل ما كان يركن إليه فى سيرته وآثاره وأعماله الخبيثة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر (١)» وقال: «من ادّعى إلى غير أبيه،


- وبرد آل زياد إلى نسبهم من عبيد. وكان سبب ذلك أن رجلا من آل أبى بكرة رفع ظلامة إلى المهدى، وتقرب إليه فيها بولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المهدى: إن هذا نسب واعتزاء ما تقرون به إلا عند حاجة تعرض لكم، وعند اضطراركم إلى التقرب به إلينا! فقال: يا أمير المؤمنين، من جحد ذلك فإنا سنقر، أنا أسالك أن تردنى ومعشر آل أبى بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله، وتأمر بآل زياد بن عبيد فيخرجوا من نسبهم الذى ألحقهم به معاوية، فيردوا إلى نسبهم من عبيد فى موالى ثقيف، فأمر المهدى فى آل أبى بكرة وآل زياد أن يرد كل فريق منهم إلى نسبه، وكان مما قوى رأيه فى آل زياد أنه قدم عليه وهو ينظر فى المظالم رجل منهم، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابن عمك، قال: أى ابن عمى أنت؟
فانتسب إلى زياد، فقال له المهدى: يابن سمية الزانية، منى كنت ابن عمى؟ وغضب وأمر به فوجىء فى عنقه وأخرج، وكتب المهدى فيهم إلى محمد بن سليمان الكتاب المذكور، فأخرجوا من ديوان قريش.
ثم إن آل زياد بعد ذاك رشوا الديوان حتى ردهم إلى ما كانوا عليه- انظر تاريخ الطبرى ٩: ٣٣٤ والفخرى ص ١٦٢.
(١) العاهر: الزانى، أى لا حق له فى النسب ولا حظ له فى الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أى لصاحب أم الولد وهو زوجها أو مولاها، وهو كقوله الآخر: له التراب، أى لا شىء له.

<<  <  ج: ص:  >  >>