للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أتحرّف (١) - بحمد الله- بعد الهجرة، ولم أنافق بعد النّصرة، ولم أكن كحاطب (٢) حين ألقى بالمودّة (٣)، ولا كتميم يوم نادوا من وراء الحجرات (٤)، بل أقمت على مكانتى، واصطبرت على عسرتى، لا أردّ الجوعة إلا بالبلغة (٥) أحيانا، ولا أوارى العورة إلا بالغنية (٦) زمانا، حتى جاء الفتح من عند الله (٧)، وطلع الأمير- حفظه الله-


(١) فى الأصل «المنظوم والمنثور» «أتعرف» وهو تحريف، وتحرف وانحرف واحرورف: مال وعدل.
(٢) هو حاطب بن أبى بلتعة، وكان من خبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجمع السير إلى مكة لفتحها (سنة ٨ هـ) دعا الله أن يعمى الأخبار على قريش، فكتب إليهم حاطب كتابا يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وبعثه مع امرأة وجعل لها جعلا، فأعلم الله رسوله ذلك، فبعث أثرها عليا والزبير والمقداد، وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقوا إلى الروضة فوجدوا بها المرأة، فقالوا لها: أخرجى الكتاب، قالت. ما معى كتاب، فقالوا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا حاطب؟
قال: لا تعجل على يا رسول الله: إنى كنت امرأ ملصقا فى قريش، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباث يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتنى ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتى، ولم أفعله ارتدادا عن دينى، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: أما إنه قد صدقكم، فقال عمر: دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر! لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم- انظر كتب السيرة-.
(٣) اقتبسه من قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» وقد نزلت هذه الآية فى حاطب بن أبى بلتعة للسبب المتقدم ذكره، وفى مفتاح الأفكار والمواهب الفتحية: «حين ألقى بالمدة» وقال صاحب المواهب الفتحية فى تفسير تلك الرسالة: «والمدة بضم الميم: اسم ما استمددت به من المداد على القلم، وهى المعروفة عند العوام بالملة، أى حين ألقى بالمداد على تلك الصحيفة».
وعندى أن ذلك التفسير متكلف، وأن كلمة «بالمدة» محرفة عن «بالمودة» ويؤيد ذلك ما جرت به سنة بشر البلوى فى الكتابة من اقتباس آى القرآن كما عرفت.
(٤) يشير إلى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» وذاك أنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم سنة تسع وفد بنى تميم، قجلسوا ينتظرونه، فلما أبطأ عليهم نادوا من وراء حجراته بصوت جاف: أن يا محمد اخرج إلينا، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم، فنزلت فيهم الآية.
(٥) البلغة: ما يتبلغ به من العيش.
(٦) الغنية بالضم والكسر: اسم من الاستغناء.
(٧) اقتبسه من قوله تعالى: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>