للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموسر بقدر يساره، وأخذ المعسر بطاعته، كان قد أنصف، كلا! ولكنه أحب أن يستبقى قوة، ولا يبلغ من المكثر جهدا، واقتصر بهم على العشر من ذلك، كرما فى القدرة حين رأى موضع الرّفق، وتجافى عن العلّة حين عرف مكان العذر، فأىّ نعمة أعظم، وأىّ بلاء أحسن من هذه البقايا؟ كانت فى أيديهم جماما (١) فلما اطّلع طلعها (٢) أخذ ما أخذ، وترك ما ترك، محلّلا مع ما جعل الله فى ذلك من [كلمات (٣)] المقصّر من العمّال المؤذية التى لم تكن تعدو أفواههم، فليس منهم أحدا إلا كان منه له واعظ ألّا يكسر شيئا من الخراج تضييعا، أو يأخذه غلولا (٤)، أو ينفقه إسرافا، أو يتركه إرهابا.

فلما فرغ من علاج الداء المخوف فاستأصله، ومن الفىء المتفرق فجمعه، ومن الأمور المعطّلة فأحكمها، استخلف على القيام بذلك من لا يجزئه (٥) عقله عن حذر، ولا إضاعة عن حفظ، ولا لين عن تشدّد، ولا يستحل الأكف عن نقض ما أبرم، ولا مزاولة ما أحكم، ولا فتح ما أغلق، ولا إغلاق ما فتح، «فلان»: خيرة أبويه، ومحّ (٦) بيضته، وجوهر أرومته، الفائت سبقا، البيّن عنقا (٧)، الراسخ عرقا، المتفجر بحرا، المحمود أمرا، القائل فصلا، الحاكم عدلا، ثم انصرف بما أفاده الله من الأجر إلى جناحه الذى كان مدّه على من خلّف من الأهل والأموال والرعايا والجنود، «فلان»:

سليل صلبه، وثمرة قلبه، المحتنك (٨) مع فتاء سنّه عقلا، والمأمون مع شدة شكيمته


(١) الجمام بالضم والكسر، أصله ما اجتمع من ماء الفرس.
(٢) يقال، اطلع طلعه: إذا علم أمره.
(٣) محل هذه الكلمة بياض بالأصل، وهى المناسبة للمقام.
(٤) الغلول بالضم، الخيانة.
(٥) أى لا يغنيه، وفى الأصل «يحويه» وأراه محرفا.
(٦) المح: صفرة البيض أو ما فى البيض كله.
(٧) العنق: ضرب من السير فسيح سريع.
(٨) المحتنك، الذى أحكمته التجارب، والفتاء: الشباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>