إله غيره، الذى تعالى عن شبه المحدودين بعظمته، واحتجب دون المخلوقين بعزّته، فليست الأبصار بمدركة له، ولا الأوهام بواقعة عليه، انفرادا عن الأشياء أن يشبهها، وتعاليا أن يشبهه شىء منها، وهو الواحد القهّار، الذى ارتفع عن مبالغ صفات القائلين ومذاهب لغات العالمين، وفكر الملائكة المقرّبين، فليس كمثله شىء، وله كل شىء، وهو على كل شىء قدير.
أما بعد، فإن الله جل ثناؤه، وتباركت أسماؤه، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما أنزل من آيات الوحى إليه:«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» فرأى أمير المؤمنين من أحسن قوله، وأفضل فعله، أن يكون إلى سبيل ربه داعيا، وبرسوله صلى الله عليه وسلم متأسّيا، ولقوله:«وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» موافقا، وكنت- من كتب الله المنزّلة، وآياته المفسّرة، وخلقه الكثير- بحيث رجا أمير المؤمنين استماعك لموعظته، وانتفاعك بمجادلته انتفاع بشر كثير وخلق عظيم، قد بؤت بأوزارهم مع وزرك، واحتملت من آثامهم إلى إثمك فأحبّ أن يدعوك ومن رجا أن ينتفع بدعوته معك، إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولّيتم عن ذلك رغبة عنه، أو تركتموه زهادة فيه، فاشهدوا بأنّا مسلمون، واستمعوا ما أمير المؤمنين واصف لكم، ومحتجّ به إن شاء الله عليكم، بقلوب شاهدة، وآذان واعية، ثم اتّبعوا أحسن ما تستمعون، ولا قوة إلا بالله.
فإن الله عزّ وجل يقول فيما أنزل من كتابه، واقتصّ على عباده:«فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ» إن الله تبارك اسمه، وتعالى جدّه، وصف فيما أنزل من آياته، وشرح من بيّناته، الأمم الماضية، والقرون الخالية، والملل المتفرقة، الذين يجعلون مع الله