للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلهة أخرى لا برهان لهم بها، ولا حجة لهم فيها، فقال: «يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ، انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ، إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ، سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ».

قالت العرب الذين يعبدون الملائكة، وأهل الكتاب الذين يقولون ثالث ثلاثة:

بأيّتما آية يا محمد تزعم أن الله إله واحد! فأنزل الله عز وجل فى ذلك آية تشهد لها العقول، وتؤمن بها القلوب، وتعرفها الألباب، فلا تستطيع لها ردّا، ولا تطيق لها جحدا، ذكر فيها اتصال خلقه، واتّفاق صنعه، ليوقن الجاهلون من العرب، والضالّون من أهل الكتاب، أنّ إله السماء والأرض وما بينهما من الهواء والخلق واحد لا شريك له، خالق لا شىء معه، فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» فتفكّر فى تفسير هذه الآية من كلام الرّبّ عز وجل، وما أوضح فيها من بيان الخلق، فإنه ما من مفكر ينظر فيما ذكر الله فيها مما بين السماء والأرض، إلّا رأى من اتصال بعض ذلك ببعض، مثل ما رأى فى تدبيره نفسه، وعرف من اتصال خلقه فيما بين ذوائب (١) شئون رأسه، إلى أطراف أنامل قدمه، وفى ذلك أوضح آية، وأبين دلالة، على أن الذى خلقه وصنعه إله واحد لا إله معه، ولا من شىء ابتدعه، ولا على مثال صنعه،


(١) الذوائب: جمع ذؤابة بالضم، وذؤابة كل شىء، أعلاه: والشئون، مواصل قبائل الرأس (وهى القطع المشعوب بعضها إلى بعض).

<<  <  ج: ص:  >  >>