للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ».

والعجب: كيف يصف مخلوق ربّه، أو يجعل معه إلها غيره! وهو يرى فيما ذكر الله من هذه الأشياء، صنعة ظاهرة، وحكمة بالغة، وتأليفا متّفقا، وتدبيرا متصلا، من السماء والأرض، لا يقوم بعضه إلا ببعض، متجلّيا بين يديه، ماثلا نصب عينيه، يناديه إلى صانعه، ويدلّه على خالقه، ويشهد له على وحدانيته، ويهديه إلى ربوبيّته «فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ» حقا ما كرّر هؤلاء الجاهلون بربهم، الضالّون عن أنفسهم، فى خلق الله النظر، ولا رجعوا- كما قال الله عز وجل- الفكر، ولو أعملوا فكرهم، وأجهدوا نظرهم، فيما تسمع آذانهم، وترى أبصارهم، من حوادث حالات الخلق، وعجائب طبقات الصّنع، لوجدوا فى أقرب ما يرون بأعينهم: من التأليف لتركيب خلقهم، والأثر فى التدبير بصنعهم، ما يدلّهم على توحيد ربهم، ويقف بهم على انفراده بخلقهم، فإنهم يرون فى أنفسهم بأعينهم، ويجدون بقلوبهم، أنها مخلوقة صنعة بعد صنعة، ومحوّلة طبقة عن طبقة، ومنقولة حالا إلى حال:

سلالة من طين، ثم نطفة من ماء مهين (١)، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما كساه الله عز وجل لحما ونفخ فيه روحا فإذا هو خلق آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، الذى خلق فى قرار مكين، من ماء قليل ضعيف ذليل، خلقا صوّره بتخطيط، وقدّره بتركيب، وألّفه بأجزاء متّفقة، وأعضاء متّصلة، من قدم إلى ساق إلى فخذ إلى ما فوق ذلك، من مفاصل ما يعلن، أو عجائب ما يبطن، ليعلم الجاهلون، ويوقن الجاحدون، أن الذى صنع ذلك وخلقه، ودبّره وقدّره، وهيّأ ظاهره وباطنه، إله واحد لا شريك معه، فلا يذهبنّ ذكر هذا صفحا عنكم، ولا تسقط حكمته جهلا به عليكم، وفكّروا


(١) المهين: الحقير.

<<  <  ج: ص:  >  >>