للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى آيات الرسل وبيّنات النّذر، فإن فى ذلك فكرا للمبصرين، وبصرا للمعتبرين، وذكرى للعابدين، والحمد لله رب العالمين.

وأمير المؤمنين واصف لكم، ومقتصّ من ذلك إن شاء الله عليكم، ما فيه شهادات واضحات، وعلامات بيّنات، ومبتدئ بذكر آيات نبينا صلى الله عليه وسلم فيما أنزل الله منها فى الوحى إليه، فإنه ما أحد يقرع بآيات النبوّة قلبه، ويحصّن ببيّنات الهدى عقله، إلا قادته حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، لا يجد إلى إنكار ما جاء به من الحق سبيلا، فأردت أن تكونوا على علم ومعرفة ويقين وثقة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وحقّه وما أنزل إليه من ربه عز وجل، فأحضر كتاب أمير المؤمنين فهمك، وألق إلى ما هو واصف إن شاء الله سمعك.

إن الله عز وجل اصطفى الإسلام لنفسه، واختار له رسلا من خلقه، وابتعث كل رسول بلسان قومه، ليبيّن لهم ما يتّبعون، ويعلّمهم ما يجهلون، من توحيد الرب، وشرائع الحق «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» فلم تزل رسل الله قائمة بأمره، متوالية على حقه، فى مواضى الدهور، وخوالى القرون، وطبقات الزمان، يصدّق آخرهم بنبوّة أوّلهم، ويصدّق أولهم قول آخرهم، ومفاتح دعوتهم واحدة لا تختلف، ومجامع ملّتهم ملتئمة لا تفترق، حتى تناهت الولاية والوراثة التى بنى عيسى عليه السلام عليها وبشّر بها، إلى النبى الأمّىّ الذى انتخبه الله لوحيه، واختاره بعلمه، فلم يزل ينقله بالآباء الأخاير، والأمّهات الطواهر، أمة فأمة، وقرنا فقرنا، حتى استخرجه الله فى خير أوان، وأفضل زمان، من أثبت محاتد (١) أرومات البريّة أصلا، وأعلى ذوائب نبعات (٢) العرب فرعا، وأطيب


(١) محاتد: جمع محتد كمجلس. وهو الأصل، والأرومة بالفتح وتضم: الأصل أيضا.
(٢) نبعات: جمع نبعة كوردة، والنبع شجر يتخذ منه القسى والسهام، ومعناها هنا الأصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>