للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منابت أعياص (١) قريش مغرسا، وأرفع ذرى مجد بنى هاشم سمكا (٢)، محمد صلى الله عليه وسلم خيرها عند الله وخلقه نفسا، على حين أوحشت الأرض من أهل الإسلام والإيمان، وامتلأت الآفاق من عبدة الأصنام والأوثان، واشتعلت البدع فى الدين، وأطبقت الظلم على الناس أجمعين، وصار الحق رسما عافيا (٣)، خلقا باليا، ميّتا وسط (٤) أموات، ما إن يحسّون للهدى صوتا يسمعونه، ولا للدّين أثرا يتّبعونه، فلم يزل صلى الله عليه وسلم قائما بأمر الله الذى أنزل إليه، يدعوهم إلى توحيد الرب عز وجل، ويحذّرهم عقوبات الشّرك، ويجادلهم بنور البرهان، وآيات القرآن، وعلامات الإسلام، صابرا على الأذى، محتملا للمكروه، قد ألهمه الله عز وجل أنه مظهر دينه، ومعزّ تمكينه، وعاصمه ومستخلفه فى الأرض، فليس يثنيه ريب، ولا يلويه هيب، ولا يعنّيه أذى، حتى إذا قهرت البينات ألبابهم، وبهرت الآيات أبصارهم، وخصم نور الحق حجتهم، فلم تمتنع القلوب من المعرفة بدون صدقه، ولم تجد العقول سبيلا إلى دفع حقه، وهم على ذلك مكذّبون بأفواههم، وجاحدون بأقوالهم، كما قال الله عز وجل العليم بما يسرّون، الخابر بما يعلنون: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» بغيا وعداوة، وحسدا ولجاجة، افترض الله عليه قتالهم، وأمره أن يجرّد السيف لهم، وهم فى عصابة يسيرة، وعدّة قليلة، مستضعفين مستذلّين، يخافون أن يتخطّفهم العرب، وتداعى عليهم الأمم، وتستحملهم (٥) الحروب، فآواهم فى كنفه، وأيّدهم بنصره، وأنذرهم بمقدمة من


(١) الأعياس: جمع عيس بالكسر، وهو الأصل، ومنبت خيار الشجر.
(٢) سمكه سمكا: رفعه، والسمك أيضا، السقف.
(٣) أى ممحوا دارسا.
(٤) جاء فى كتب اللغة: «تقول جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف، وجلست فى وسط الدار بالتحريك لأنه اسم، وكل موضع يصلح فيه بين فهو وسط بالتسكين، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالتحريك، وربما سكن، وليس بالوجه».
(٥) استحمله نفسه: حمله حوائجه وأموره.

<<  <  ج: ص:  >  >>