للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرعب، ومشغلة من الحق، وجنود من الملائكة، حتى هزم كثيرا من المشركين بقلّتهم، وغلب قوة الجنود بضعفهم، إبحازا لوعده، وتصديقا لقوله: «وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ» فأحسن النظر وقلّب الفكر فى حالات النبى صلى الله عليه وسلم من الوحى قائما لله، لتجد لمذاهب فكرك، وتصاريف نظرك، مضطربا واسعا، ومعتمدا نافعا، وشعوبا جمة، كلها خير يدعوك إلى نفسه، وبيان يكشف لك عن محضه، وأخبر أمير المؤمنين ما كنت قائلا لو لم تكن البعثة للنبىّ صلى الله عليه وسلم بلغتك، ولم تكن الأنباء بأموره تقرّرت قبلك، ثم قامت الحجة بالاجتماع عندك، وقالت الجماعة المختلفة لك: إنه نجم بين ظهرانى (١) مثل هذه الضلالات المستأصلة، والجماعات المستأسدة (٢)، التى ذكر أمير المؤمنين، من قبائل العرب، وجماهير الأمم، وصناديد الملوك، ناجم قد نصب لها، وغرى (٣) بها، يجهّل أحلامها (٤)، ويكفّر أسلافها، ويفرّق ألّافها، ويلعن آباءها، ويضلّل أديانها، وينادى بشهاب (٥) الحق بينها، ويجهر بكلمة الإخلاص إلى من تراخى عنها، حتى حميت العرب، وأنفت العجم، وغضبت الملوك، وهو على حال ندائه بالحق ودعائه إليه، وحيدا فريدا لا يحفل بهم غضبا، ولا يرهب عنتا (٦)، يقول الله عزّ وجل: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» أكنت تقول فيما تجرى الأقاويل به، وتقع الآراء عليه، إلا أنه أحد رجلين: إما كاذب يجهل ما يفعل، ويعمى عما يقول، وقد دعا الحتف (٧) إلى نفسه،


(١) يقال: هو بين ظهريهم وظهرانيهم- ولا تكسر النون- وبين أظهرهم: أى وسطهم.
(٢) أى القوية.
(٣) يقال: غرى به كفرح وأغرى به وغرى مبنيين للمجهول: أى أولع.
(٤) الأحلام: جمع حلم بالكسر، وهو العقل.
(٥) الشهاب: شعلة من نار ساطعة.
(٦) العنت: دخول المشقة على الإنسان.
(٧) الحتف: الهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>