للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأذن الله لقومه فى قتله، فليست الأيام بمادّة له، ولا الحال بثابتة له، إلّا ريثما تستلحمه (١) أسبابهم، وينهض به حلماؤهم، غضبا لربهم، وأنفة لدينهم، وحميّة لأصنامهم، وحسدا من عند أنفسهم. وإما صادق بصير بموضع قدمه، ومرمى نبله، قد تكفّل الله عز وجل بحفظه، وصحبه بعزّه، وجعله فى حرزه، وعصمه من الخلق، فليست الوحشة بواصلة- مع صحبة الله- إليه، ولا الهيبة بداخلة- مع عصمة الله- عليه، ولا سيوف الأعداء بمأذون لها فيه، ثم ما رأيكم (٢) يا أهل الكتاب لو قيل لكم:

إن الرجل الذى يدعى العصمة، وينتحل المنعة، قد نجحت الأمور به على ما قال، وسلمت الحال له فيما ادّعى، حتى نصب لعمارات (٣) العرب، وجماعات الأمم يقاتل بمن طاوعه من خالفه، وبمن تابعه من عانده، جادّا مشمّرا، محتسبا واثقا بموعود الله ونصره، لا تأخذه لومة لائم فى ربّه، ولا يوجد لديه غميزة (٤) فى دينه، ولا يلفته خذلان خاذل عن حقه، حتى أعزّ الله دينه، وأظهر تمكينه، وانقادت الأهواء له، واجتمعت الفرق عليه، ألم يكن ذلك يزيد حقّه يقينا عندكم، ودعوته ثبوتا فيكم، حتى تقول الجماعة من حلمائكم، وأهل الحنكة من ذوى آرائكم: ما كان الرجل- إذ كان وحيدا فريدا قليلا، ضعيفا ذليلا، معروفا بالعقل، منسوبا إلى الفضل- ليجترئ أن يقول: إن الله عز وجل أوحى إليه فيما أنزل من الكتاب عليه أن يعصمه من العرب جميعا، ويمنعه من الأمم طرّا (٥)، حتى يبلّغ رسالات ربه، ويظهره على الدين كله، ويدخل الناس أفواجا فى دينه، إلا وهو على ثقة من أمره، ويقين من حاله.

فسبحان الله يا أهل الكتاب! ما أبين حقّ النبى صلى الله عليه وسلم لمن طلبه، وأسهله لمن قصد له؛ واستعملوا فى طلبه ألبابكم، وارفعوا [إليه (٦)] أبصاركم،


(١) استلحم (مبنيا للمجهول) إذا نشب فى الحرب فلم يجد مخلصا.
(٢) فى الأصل «ثم إن آيتكم» وهو تحريف لا يستقيم عليه المعنى، وقد أصلحته كما ترى.
(٣) العمارة بالفتح والكسر: الحى العظيم.
(٤) يقال: فيه مغمز وغميزة: أى مطعن.
(٥) أى جميعا.
(٦) فى الأصل بياض محل هذه الكلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>