للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنظروا بعون الله إليه، وتقفوا إن شاء الله عليه، فإن علامات نبوّته، وآيات رسالته، ظاهرة لا تخفى على من طلبها، جمّة لا يحصى عددها، منها خواصّ تعرفها العرب، وعوامّ لا تدفعها الأمم، فأما الخواصّ المعروفة لدينا، المعلومة عندنا، التى أخذتها الأبناء عن الآباء، وقبلها الأتباع عن الأسلاف، فأمور قد كثرت البيّنات فيها، وتداولت الشّهادات عليها، وثبتت الحجج بها، وتراخت الأيام ببعضها، حتى رأيناه عيانا، وقبلناه إيقانا، فهى أظهر فينا من الشمس، وأبين لدينا من النهار، ولكن غيّبت الأزمان عنكم أمرها، ولم ينقل الآباء إليكم علمها، وما لا يدرك إلا بالسمع موضوع الحجة عن العقل، فليس أمير المؤمنين بمحاجّ لكم، ولا قاصد إليكم من قبلها.

وأما الآيات العوامّ والدّلالات الظاهرة فى آفاق الأرضين، القاطعة لحجج المبطلين، التى لا تنكر عقول الأمم وجوب حقها، ولا تدفع ألباب الأعداء صحة أمرها، فسيولجها أمير المؤمنين مسالك أسماعكم، ويعيد بها حجّة الله فى أعناقكم، من وجوه جمّة وأبواب كثيرة إن شاء الله، منها: أنه لم تزل الشياطين فيما خلا من فترات الرسل، وندرات (١) النّذر، تصعد إلى سماء الدنيا، وتنصت للملإ الأعلى، فتسترق السّمع، وتحتفظ العلم، وتنزل به إلى كل أفّاك (٢) أثيم، يبنون أكاذيبهم على واضح صدقه، وينفّقون (٣) أباطيلهم بحسب حقه، خلطا للباطل فيه، وثبوتها؟ ؟ ؟ (٤) للعباد عليه، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنزل آيات القرآن إليه، حرست السماء بالنجوم، ورميت الشياطين بالشّهب، وانقطعت الأباطيل، واضمحلت الأكاذيب، وخلص الوحى فبطلت الكهّان، وضلّت السّحّار، وكذبت الأحلام، وتحيّرت الشياطين، فكانت آية بيّنة، وعلامة واضحة، وحجّة بالغة، تبهر قرائح العقول، وتخرق


(١) أى فترات أيضا، يقال: لقيثه ندرة وفى الندرة: أى بين الأيام.
(٢) الأفاك: الكذاب.
(٣) ينفقون: أى يروجون، مضعف من نفق البيع: أى راج.
(٤) كذا فى الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>