ولم يزل، والابن ابنا نجل (١)، وروح القدس كذلك، فإن قالوا: نعم، فقد أقرّوا بأنهم ثلاثة متباينة، وقعت عليهم ثلاثة أسماء متفاوتة، وتركوا قولهم: إنهم ثلاثة أصلهم واحد.
وإن قالوا: الأب والابن وروح القدس واحد، ولكنّ يعضه أب، وبعضه ابن، وبعضه روح القدس، فقد دخلوا فى التحديد الذى هو عيب عندهم، وقالوا فى التبعيض بما هو كفر قبلهم، وإن قالوا: ليس مبعّضا ولا مجزّأ ولا محدودا، ولا ثلاثة متباينين، فإذن هم قوم يلعبون: يقولون: الأب ابن، والابن أب، والوالد مولود، والمولود والد، والكبير صغير، والصغير كبير، والقليل كثير، والكثير قليل! وهذا من أبين المحال، وأخلف المقال، وليس من المنطق ما لا يوجد فى لغة عرب ولا عجم، ولا لسان أمة من الأمم، وإنما أرسل الله عزّ وجل كلّ نبى بلسان قومه ليببّن لهم، فيضلّ الله الظالمين، ولولا ذلك لما فهمت الأمم مذاهب أقاويل الرّسل، ولا معانى أحاديث الكتب، فلا تطع الذين يلعبون بأنفسهم، ويتكلمون بغير لغتهم، ويقولون:
الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وهذا محال فى مجارى المقال، ومعانى الفعال.
لعمر الله لئن اتّهمت عقول الأساقفة على دينك، واهتممت بالنظر فى توحيدك، لتعلمنّ أن الواحد لا يكون ثلاثة، وأن الثلاثة لا تكون واحدا، إلا على وجه ما له ثان تقول به، ولا منه مخرج تستريح إليه، فألق نحوه سمعك، وأنصت إليه فهمك، فإن أمير المؤمنين واصفه لك، وليس واقعا إلا على المخلوقين، ولا لازما غير المحدودين، ولا داخلا على ربّ العالمين: وهو أن يكون الشىء أصله واحد وأجزاؤه كثيرة، من نحو الإنسان، وهو أصل يجمعه اسم، وله أجزاء تلزمها أسماء، فليس الجزء بالأصل، ولا الأصل بالجزء، ولكن الجزء بعض الأصل، فإذا أردت الجزء قلت: يد الإنسان، وسمع الإنسان، ولولا أنه محدود مخلوق مجزّأ مبعّض، لما جاز هذا القول فيه، ولا