للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما فرغنا من ذلك بدأنى يسألنى المصير إلى منزل كان ارتاده لى، فأعلمته ما معى من الأمور التى لا تحتمل تأخير المناظرة فيها، ثم دفع إليه «رجاء» الخادم كتاب أمير المؤمنين، وأبلغه رسالته، فعلم عند ذلك أن قد حلّ به الأمر الذى جناه على نفسه، وكسبته يداه، من سخط أمير المؤمنين، وتغيّر رأيه، بخلافه أمره، وتعدّيه سيرته.

ثم صرت إلى التوكيل به، ومضيت إلى المسجد الجامع، فبسطت آمال الناس ممّن حضر، وافتتحت القول بما حمّلنى أمير المؤمنين إليهم، وأعلمتهم إعظام أمير المؤمنين ما أتاه ووضح عنده من سوء سيرة علىّ، وما أمرنى به فيه وفى عمّاله وأعوانه، وأنى بالغ من ذلك، ومن إنصاف العامة والخاصّة، والأخذ لهم بحقوقهم أقصى غايتهم، وأمرت بقراءة عهدى عليهم، وأعلمتهم أن ذلك مثالى وإمامى، وأنّى به أقتدى، وعليه أحتذى، فمتى زلت عن باب واحد من أبوابه فقد ظلمت نفسى، وأحللت بها ما يحلّ بمن خالف رأى أمير المؤمنين وأمره، فأظهروا السرور بذلك والاستبشار، وعلت بالتكبير والتهليل أصواتهم، وكثر دعاؤهم لأمير المؤمنين بالبقاء، وحسن الجزاء.

ثم انكفأت إلى المجلس الذى كان علىّ بن عيسى فيه، فصرت إلى تقييده وتقييد ولده وأهل بيته وكتّابه وعمّاله، والاستيثاق منهم جميعا، وأمرتهم بالخروج إلىّ من الأموال التى احتجنوها (١) من أموال أمير المؤمنين وفىء المسلمين، وإعفائى بذلك من الإقدام عليهم بالمكروه والضرب، وناديت فى أصحاب ودائعهم بإخراج ما كان عندهم، فحملوا إلىّ- إلى أن كتبت إلى أمير المؤمنين- صدرا صالحا من الورق والعين (٢)، وأرجو أن يعين الله على استيفاء ما قبلهم، واستنظاف ما وراء ظهورهم، ويسهّل الله من ذلك أفضل ما لم يزل يعوّده أمير المؤمنين من الصّنع فى مثله، من الأمور التى يعنى بها إن شاء الله تعالى.


(١) احتجن المال: ضمه واحتواه.
(٢) الورق: الدراهم المضروبة، والعين: الدينار.

<<  <  ج: ص:  >  >>