للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم أدع عند قدومى «مرو» التقدم فى توجيه الرسل وإنفاذ الكتب البالغة فى الإعذار والإنذار، والتبصير والإرشاد، إلى «رافع (١)» ومن قبله من أهل سمرقند، وإلى من ببلخ (٢)، على حسن ظنّى بهم فى الإجابة ولزوم الطاعة والاستقامة، ومهما تنصرف به رسلى إلىّ يا أمير المؤمنين من أخبار القوم فى إجابتهم وامتناعهم، أعمل على حسبه من أمرهم، وأكتب بذلك إلى أمير المؤمنين على حقّه وصدقه، وأرجو أن يعرف الله أمير المؤمنين فى ذلك من جميل صنعه، ولطيف كفايته، ما لم تزل عادته جارية به عنده بمنّه وطوله وقوّته، والسلام». (تاريخ الطبرى ١٠: ١٠٥)


(١) هو رافع بن ليث بن نصر بن سيار، وكان من خبره أنه ظهر بسمرقند مخالفا للرشيد وخلعه ونزع يده من طاعته (سنة ١٩٠) وذلك أن يحيى بن الأشعث الطائى كان تزوج ابنة لعمه أبى النعمان، وكانت ذات يسار ولسان، فأقام بمدينة السلام وتركها بسمرقند، فلما طال مقامه بها وبلغها أنه قد اتخذ أمهات أولاد، التمست سببا للتخلص منه، فعىّ عليها، وبلغ رافعا خبرها فطمع فيها وفى مالها، فدس إليها من قال لها: إنه لا سبيل لها إلى التخلص من صاحبها إلا أن تشرك بالله وتحضر لذلك قوما عدولا وتكشف شعرها بين أيديهم، ثم تتوب فتحل للأزواج، ففعلت ذلك وتزوجها رافع، وبلغ الخبر يحيى بن الأشعث» فرفع ذلك إلى الرشيد، فكتب إلى على بن عيسى يأمره أن يفرق بينهما، وأن يعاقب رافعا ويجلده الحد ويقيده ويطوف به فى مدينة سمرقند مقيدا على حمار حتى يكون عظة لغيره، فدرأ سليمان بن حميد الأزدى- عامل على بن عيسى على سمرقند- عنه الحد، وحمله على حمار مقيدا حتى طلقها ثم حبسه فى سجن سمرقند، فهرب من الحبس ليلا فلحق بعلى بن عيسى ببلخ فطلب الأمان، فلم يجبه على إليه، وهم بضرب عنقه، فكلمه فيه ابنه عيسى بن على، وجدد طلاق المرأة وأذن له فى الانصراف إلى سمرقند، فانصرف إليها فوثب بسليمان بن حميد فقتله، فوجه على بن عيسى إليه ابنه، فمال الناس إلى سباع بن مسعدة فرأسوه عليهم فوثب على رافع فقيده فوثبوا على سباع فقيدوه ورأسوا رافعا وبايعوه وطابقه من وراء النهر، ووافاه عيسى بن على فلقيه رافع فهزمه، ثم غلظ أمر رافع بسمرقند سنة ١٩١، وكتب أهل نسف إليه يعطونه الطاعة ويسألونه ان يوجه إليهم من يعينهم على قتل عيسى بن على، فوجه صاحب الشاش فى أتراكه وقائدا من قواده فأتوا عيسى بن على فأحدقوا به وقتلوه، فخرج على بن عيسى عن بلخ إلى مرو مخافة أن يسير إليها رافع فيستولى عليها.
(٢) كان عيسى بن على قبل قتله دفن فى بستان داره ببلخ أموالا عظيمة- قيل إنها كانت ثلاثين ألف ألف، ولم يعلم بها أباه ولا أطلع على ذلك إلا جارية كانت له، فلما شخص على بن عيسى عن بلخ أطلعت الجارية على ذلك بعض الخدم وتحدث به الناس، فاجتمع قراء أهل بلخ ووجوهها فدخلوا البستان فانتهبوه وأباحوه للعامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>