للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرهاق (١) الله إياه، وقطعه رجاءه من كل حيلة ومتعلّق، وانقطاع المنافع عنه، وحيل بينه وبين الماء فضلا عن غيره، حتى همّ به خدمه وأشياعه من أهل المدينة ومن نجامعه إليها، وتحزّبوا على الوثوب به للدّفع عن أنفسهم والنجاة بها، وغير ذلك مما فسّرت لأمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- مما أرجو أن يكون قد أتاه.

وإنى أخبر أمير المؤمنين أنى روّيت فيما دبّر هرثمة بن أعين مولى أمير المؤمنين فى المخلوع، وما عرض عليه وأجابه إليه، فوجدت الفتنة، فى تخلّصه من موضعه الذى قد أنزله الله فيه بالذّلة والصّغار، وصيّره فيه إلى الضّيق والحصار تزداد، ولا يزيد أهل التربّص فى الأطراف إلا طمعا وانتشارا. وأعلمت ذلك هرثمة بن أعين وكراهتى ما أطمعه فيه وأجابه إليه- فذكر أنه لا يرى الرجوع عما أعطاه فصادرته- بعد يأس من انصرافه عن رأيه- على أن يقدّم المخلوع رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه وقضيبه قبل خروجه، ثم أخلى له طريق الخروج إليه، كراهة أن يكون بينى وبينه اختلاف نصير منه إلى أمر يطمع الأعداء فينا، أو فراق القلوب بخلاف ما نحن عليه من الائتلاف والاتفاق على ذلك، وعلى أن نجتمع لميعادنا عشيّة السبت.


وحنقه وأبى أن يرفه عنه ويدعه يخرج، وقال: هو فى حيزى والجانب الذى أنا فيه، وأنا أحرجته بالحصار والحرب حتى صار إلى طلب الأمان، ولا أرضى أن يخرج إلى هرثمة دونى فيكون الفتح له، ولما رأى هرثمة والقواد ذلك اجتمعوا وصار إليهم طاهر وخاصة قواده، وأداروا الرأى بينهم وأخبروا طاهرا أنه لا يخرج إليه أبدا، وقالوا له: يخرج ببدنه إلى هرثمة، ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة- وذلك الخلافة- ولا تفسد هذا الأمر واغتنمه إذ يسره الله، فأجاب إلى ذلك ورضى به، ولما علم بعض ذوى الأهواء بالخبر أراد التقرب إلى طاهر فخبره أن الذى جرى بينهم وبينه مكر، وأن الخاتم والبردة والقضيب تحمل مع الأمين إلى هرثمة، فاغتاظ وأكمن له كمناء بالسلاح، ووعد هرثمة الأمين أن يأتيه فى حرّاقة إلى مشرعة باب خراسان فيصير به إلى عسكره، فلما صار إلى الحراقة خرج طاهر وأصحابه فرموها بالسهام والحجارة فانكفأت، فغرق الأمين وهرثمة ومن كان فيها، فلم يكن لهرثمة شاغل إلا نفسه فتعلق بزورق ومضى إلى عسكره بالجانب الشرقى، وسبح الأمين حتى عبر دجلة فقبض عليه أصحاب طاهر وقتلوه.
(١) أرهقه: حمله على ما لا يطيقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>