للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوجّهت فى خاصّة ثقاتى الذين اعتمدت عليهم، وأثق بهم بربط الجأش (١)، وصدق البأس، وصحة المناصحة، حتى طالعت جميع أمر كلّ من كنت وكّلت بالمدينة والخلد برّا وبحرا، والتقدمة إليهم فى التحفّظ والتيقّظ، والحراسة والحذر، ثم انكفأت إلى باب خراسان، وكنت أعددت حرّاقات (٢) وسفنا سوى العدّة التى كانت لأركبها بنفسى لوقت ميعادى بينى وبين هرثمة، فنزلتها فى عدّة ممن كان ركب معى من خاصّة ثقاتى وشاكريّتى (٣)، وصيّرت عدّة منهم فرسانا ورجّالة بين باب خراسان وللمشرعة (٤) وعلى الشّطّ.

وأقبل هرثمة بن أعين حتى صار بقرب باب خراسان معدا مستعدّا، وقد خاتلنى (٥) بالرسالة إلى المخلوع إلى أن يخرج إليه إذا وافى المشرعة ليحمله قبل أن أعلم، أو يبعث إلىّ بالرّداء والسيف والقضيب، على ما كان فارقنى عليه من ذلك. فلما وافى خروج المخلوع على من وكّلت بباب خراسان، نهضوا عند طلوعه عليهم، ليعرفوا الطابع لأمرى كان أتاهم، وتقدّمى إليهم ألّا يدعوا أحدا يجوزهم إلا بأمرى، فبادرهم نحو المشرعة وقرّب هرثمة إليه الحرّاقة، فسبق الناكث أصحابى إليها، وتأخّر «كوثر (٦)» فظفر به «قريش» مولاى، ومعه الرّداء والقضيب والسيف، فأخذه وما معه، فنفر أصحاب المخلوع عند ما رأوا من إرادة أصحابى منع مخلوعهم من الخروج، فبادر بعضهم حرّاقة هرثمة، فتكفّأت بهم حتى أغرقت فى الماء ورسبت، فانصرف بعضهم إلى المدينة، ورمى المخلوع عند ذلك بنفسه من الحرّاقة فى دجلة متخلّصا إلى الشّطّ، نادما على ما كان من خروجه، ناقضا للعهد، داعيا بشعاره (٧)، فابتدره (٨) عدّة من


(١) الجاش: النفس، وربط جأشه: اشتد قلبه.
(٢) الحراقات: سفن فيها مرامى نيران يرمى بها العدو.
(٣) الشاكرى: الأجير والمستخدم، معرب جاكر.
(٤) المشرعة: مورد الشاربة.
(٥) خاتله: خادعه.
(٦) كان خادما خصيا للأمين وكان يحبه.
(٧) لما أخذت السيوف الأمين جعل يصيح: ويحكم! إنى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا ابن هرون، أنا أخو المأمون، الله الله فى دمى.
(٨) ابتدره: عاجله.

<<  <  ج: ص:  >  >>