للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما برأ وذرأ (١) ثابت فى فطر العقول، حتى يستجرّ أولى الزّيغ ما يدخلون على أنفسهم من الشّبهة فيما يجعلون له من الأضداد والأنداد، جلّ عما يشركون، ولولا توحّده بالتدبير عن كل معين وظهير (٢)، لكان الشركاء جدراء أن تختلف بهم إرادتهم [فيما يخلقون] ولم يكن التخلّف فيه من إثباته وإزالته ليخلو من أحد وجهيه، وأيهما كان فيه فالعجز والنقص مما أتاه وبرأه، جلّ البديع خالق الخلق ومالك الأمر عن ذلك، وتعالى علوّا كبيرا، كما قال سبحانه: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» ثم من عظيم نعمة الله عزّ وجل على خلقه افتقاده (٣) إياهم، ثم يسدّدهم ويدلّهم على منافعهم، ويجنّبهم مضارّهم، ويهديهم لما فيه صلاحهم، ويرغّبهم فى المحافظة على التمسّك بدين الله عزّ وجل الذى جعله عصمة لهم، وحاجزا بينهم.

ولولا ما تقدّم به من تلافيهم (٤) واستدراكهم بفضل رحمته لاجتاحهم (٥) التّلف لقصور معرفتهم عن التأتّى لأقواتهم ومعايشهم، ولم يكونوا ليقتصروا على حظوظهم وأقسامهم عما بنوا عليه من الجمع والرغبة، ولتهالكوا ببغى بعضهم على بعض، وعدوان قويّهم على ضعيفهم، ولكنه بعد تعريفه إياهم ملك قدرته، وجلالة عزّته، بعث إليهم أنبياءه ورسله مبشّرين ومنذرين بالآيات التى لا تنالها أيدى المخلوقين، فرضوا بما قسط بينهم، وارتدعوا عن التباغى والتظالم، لما وعدوا من الثواب الجسيم، وخوّفوا من العقاب الأليم، ولم يكونوا ليطيعوا أمرا لآمر، ولا نهيا لناه، إلّا بحجّة يتبيّن بها [الحقّ] لمن خالفه من المبطلين، وتخويف يتّقون به مقارفة (٦) ما حرّ [م عليهم]، ورجاء يتجشمون له مئونة ما تعبّدوا به، فافتتح الله عزّ وجل بأبيهم آدم عليه السلام،


(١) برأ الله الخلق وذرأهم (كجعل فيهما): خلقهم.
(٢) الظهير: المعين.
(٣) أى تفقده، وفى الأصل «معاوه».
(٤) فى الأصل «تلافهم».
(٥) أى أهلكهم واستأصلهم.
(٦) قارف الذنب: اقترفه وأتاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>