للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلّمه الأسماء كلّها، وأمر الملائكة بالسجود له كما افتص فى وحيه المنزل- وكرّم ولده وفضّلهم، فقال جلّ وعزّ: «وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا» وجعل ما فطرهم عليه من العطف على ذراريّهم وأبنائهم سببا لما أراد من بقائهم وتناسلهم، وما اختصّهم به من العلم والفهم حجّة عليهم، ليمتحن طاعتهم، ويبلوهم (١) أيّهم أحسن عملا.

ولم تزل رسل الله عز وجل إلى خلقه تترى (٢) بالنور الساطع، والبرهان القاطع، لا يجدون لما يوردون عليهم من الحق القاهر مردّا ولا مدفعا، لقول الله عزّ وجل:

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» فلم يجد المكذّبون مساغا (٣) إلى دفع ما أقيم عليهم من لازم الحجة إلا المعاندة والمجاحدة، وكان أنبياء الله صلوات الله عليهم يبعثون فى أعصار الحقب (٤) نذرا للأمم، حتّى ختمهم الله عز وجل بالنبىّ الأمّىّ محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثه فردا وحيدا لا عاضد له ولا رافد (٥)، إلى قوم يعبدون أصناما بكما، وحجارة صمّا، فكذّب به القوم الذين بعث فيهم أول ما دعاهم، ورامه ملوك أقطار البلاد بتوجيه الأجناد، ومرافدة القوة والعتاد (٦)، وبغى الغوائل، ونصبت له الحبائل، وهو يدعو إلى سبيل ربه بما أمره به إذ يقول تعالى: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» ثم جاهد بمن أطاعه من عصاه، وبمن اتّبعه من خالفه، حتى أعزّ الله كلمته، وأظهر دعوته، وأكمل لعباده دينهم الذى ارتضى لهم، فلما اختار الله له ما لديه، واختصّه بما عنده، من النعيم


(١) أى يختبرهم.
(٢) يقال: جاءوا تترى وينون، وأصله وترى: أى متواترين متتابعين.
(٣) أى مدخلا وطريقا.
(٤) الحقب جمع حقبة بالكسر، والحقبة من الدهر: مدة لا وقت لها.
(٥) الرافد: المعين الواصل.
(٦) العتاد: العدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>