للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان الأئمة المقلّدون أمر عباده خاملة أنسابهم، متقطعة أسبابهم، غير مخصوصين بفضيلة يرونهم بها دون غيرهم لم تعد طلبتهم وعقد الخلافة لهم، أن تكون من مفترضاته على كافّة الأمة، أو على بعض دون بعض، فإن كان لأهل الشرق والغرب من ذوى النقص والكمال أن يختاروا لأنفسهم، فليس فى اجتماع آرائهم مع تفرّقهم واختلافهم طمع آخر أيام الدهر، وإن كان إلى خاصّة دون عامّة، فستحتاج العامّة من طلب معرفة تلك الحال، إلى مثل ما احتاجوا إليه فى أئمتهم إذ لم يكن أهل الارتياب والطلب من أعلام الآفاق، ليتواطئوا على اتفاق، لنفاد آجالهم قبل بلوغهم غاية الاجتهاد فى الفحص والتكشيف، وحاجتهم إلى اختيار البلدان، وتمحيص أولى الفضائل بالامتحان، وما [هو] خاف عليهم من الشّبه فى اختيارهم، والاختلاف فيمن عسوا أن يجتبوه (١) ويقدّموه، حتى تتهالك الرعية، بتظالمها بينها، وبطرق من يليها من الأمم إياها إذ لا ذائد عنها ولا محامى، فإذا ألزمت الأمة الحاجة إلى نصب الحكّام لإقامة الدين، وتقسيط الحقوق بين المسلمين، ومجاهدة عدوّهم من المشركين، لم يكن لهم فى الإمامة عليهم مجاز إلى التخلص إليهم، ولا ريب عند المعرفة برأفة الله ورحمته، ولطفه وحكمه، فى دفعه عن عباده ما لم يجعل فى حيلتهم له وسعا، ولا فى حيلتهم له دركا، وكفايته إياهم ما يعجزهم من البحث والتنقيب عن ولاة أمرهم، بنصبه إياهم، وما رفعهم إليه من الدرجة التى أعلاها وأسناها (٢)، إذ وصل نسبهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وافترض مودّتهم على خلقه، ولم يشنهم (٣) جهلهم للغرض الذى ألزمهم له، ولم يجب عليهم فرض فى معرفة من سواهم، ولم يزل سياق أئمة الهدى مطّردا، ونظامهم متّصلا، يتلقاه كابر عن كابر، ويؤدّيه أوّل إلى آخر، حتى تناهى إلى أمير المؤمنين، وهو حالّ دار دعوته، وبين أنصاره من أهل


(١) اجتباه: اختاره.
(٢) أى رفعها وأعلاها.
(٣) فى الأصل «يسفهم» وربما كان «يسفههم».

<<  <  ج: ص:  >  >>