للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوه والإثخان فى بلاده وافتتاح ممتنع حصونه، بما جمعهم الله عليه من الألفة، ورفع عنهم من الحميّة (١) والعصبيّة، راجين عودتهم إلى أحسن ما مضى عليه سلفهم فى عهد نبيه صلى الله عليه وسلم، من سلامة الصدور، وصلاح ذات البين، واجتماع القوى على مجاهدة من شاقّهم (٢)، قد أفرخ الله عنهم نغر (٣) التجارب والتجاذب، وجعل ما كان يسعى به بعضهم من الإعداد لبعض، زيادة فى ريحهم (٤)، وحدّا فى شوكتهم، لائتلافهم فى دولة أمير المؤمنين المجدودة (٥) المؤيّدة بصدق الضمائر، ونفاذ البصائر، وإلى الله يرغب أمير المؤمنين فى إعانته على صالح نيته، وتبليغه منتهى سؤله، وغاية همته، فى إعزاز دينه، وإذلال من صدّ عن سبيله، إنه سميع قريب.

ومن أقوى الأسباب إلى استدعاء الشكر على النعمة تذكّر ما كانت عليه الحال قبلها، فاستديموا الإفاضة فيما رفع الله من خساستكم، وأعلي من أقداركم، بنصرة أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما أبلاكم الله فى الدعوة الأولى، مما لا يؤدّى حقّه إلّا بعون الله وتوفيقه، فإنه ارتاح لهم (٦) بلطفه وتوفيقه، فأنالهم رغائب الأقسام، وسنىّ الحظوات، ورفع درجهم ودرج خلوفهم وأعقابهم من بعدهم، بعد إذ هم مستضعفون يخافون أن يتخطّفهم الناس، مذعنون بقهر عدوهم واستئثاره عليهم، ثم لم يلبثوا أن صاروا إلى الحال التى يرونهم بها من الغبطة والبهجة، إلا أنهم أخذوها بحقّها، وكانت فى أيدى الظّلمة من أهل بيت اللّعنة وأتباعهم، بخلسة الباطل، ومحنة الابتلاء «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ».

وليس أحد منكم بخارج من المحنة بما ألبس من النعمة، وإن كنتم أهلها


(١) الحمية: الأنفة.
(٢) شاقه: خالفه وعاداه.
(٣) أفرخ: أى سكن وهدأ، ونغر عليه كفرح وضرب ومنع نغرا ونغرانا بحركتين: غلى جوفه من الغضب والغيظ، وهو من نغرت القدر. إذا غلت وفارت، وفى الأصل الأول «قد أفرد الله عنهم نفرة التحارب» والمعنى عليه صحيح.
(٤) الريح: القوة.
(٥) المجدود: العظيم الجد بالفتح، وهو الحظ.
(٦) أى لأهل بيت نبيه، وارتاح الله له برحمته: أنقذه من البلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>