للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإعلان بالرّدّة، والتمس من تبديل معالم الدين وتعفية آثاره، فلم يلف الرّعية سدى مهملين، لا جامع لأمرهم، ولا ضامّ لنشرهم.

ومنهن: ما أفادكم الله وإياهم من العبر، عند حلول الغير (١)، بمن غدر وختر (٢)، تذكرة لأولى النّهى، وحجّة بالغة على من أدبر وتولّى، ليهتدى متحيّر، ويتّعظ مزدجر «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ».

ومنهن: اجتماع أهل الفضل من المسلمين ممّن لم يكن له نصر ولا أزر (٣) فى الدعوة الأولى، على المشايعة فى الدعوة الثانية، فأصبح دعاة أمير المؤمنين- من أهل الحرمين والمصرين (٤) ومدينة السلام والمشرق والمغرب، ممّن غار وأنجد (٥) من المتمسّكين بذممهم، الموفين بنذورهم، من إخوانكم، وإن كان الله قد قدّمكم فى الأمرين جميعا بتفوّق حالكم على غيركم- يعتدّون من معاضدتكم ومكانفتكم (٦) بما جعله الله عز وجل ألفة لكم، ومودّة بينكم، يبيد بها ما كان الشيطان ينزغ (٧) به بين أهل التباعد فى الأنساب، والتنائى فى الأوطان، من إيقاع العداوة والبغضاء، والانطواء على الأحقاد والدّمن (٨)، وطلب تقديم الإحن (٩)، وصار أهل النموّ إلى الدرجة العليا، والاعتصام بالعروة الوثقى، من أولياء أمير المؤمنين، وشيعته، منشرحة صدورهم بمكانفته، منبسطة أيديهم بمعاونته على حقه، منفسحة آمالهم فى إذكاء (١٠) ناره على


(١) غير الدهر: أحداثه المغيرة.
(٢) الختر: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر، وفعله كضرب ونصر.
(٣) الأزر. التقوية.
(٤) الحرمان: مكة والمدينة، والمصران: الكوفة والبصرة.
(٥) غار. أتى الغور بالفتح، وهو المنخفض من الأرض، وأنجد: أتى النجد، وهو المرتفع منها.
(٦) المكانفة: المعاونة والمؤازرة.
(٧) نزغ الشيطان بينهم كمنع: أفسد وأغرى ووسوس.
(٨) الدمن جمع دمنة بالكسر: وهى الحقد القديم.
(٩) الإحن: جمع إحنة بالكسر، وهى الحقد أيضا.
(١٠) أذكى النار: أشعلها، وأثخن فى العدو: بالغ الجراحة فيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>