للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواكم، ممن هو أعسر طاعة عليكم، وأعذر بمعصيتكم، حتى تبدءوا باستصلاح أنفسكم، وأنه لن يرجى لكم القوة على مجاهدة عدوكم، حتى تقووا على مجاهدة أهوائكم، فإن على كل امرئ ريبة من أمره، وغطاء من غيبه، لا يكشفه إلا صحة المعرفة والإذعان بالنّصفة (١)، فهناك يؤمن عليه الجهل والمعاندة، وإذا أمنت هاتان الخلّتان انسدّت بإذن الله ثلم الآفات، وفتوق المكاره، فإنه لا يخاف الضلال على من اهتدى. ولا اعتماد الجور على من انتصف من هوى.

وليكن أول ما تتعهّدون به أنفسكم، وتثابرون عليه من صالح أدبكم، تناصف الحقّ بينكم، بتقديم أهل الفضائل والآثار المحمودة منكم، وتفخيم أمرهم، فقد علمتم أن منكم المبرّز (٢) الفائت الذى لا يدرك شأوه، ولا يوازى بلاؤه، حين كشف الإبلاء ضمائر القلوب، وجلا مشتبهات الظّنون، فصرّح بالمحاربة بعد التقدّم فى الحجة، وفاء بمؤكّد العهد، وركوبا منه لهائل الخطر، غير هائب مع صحبة الحق، ما برق لديه الناكث المخلوع ورعد، ولا مستوحش فيما تفرّد به إلى من تولّى وأدبر، حتى أتى الغاية التى أجرى إليها فى الله عزّ وجل، ولخليفته، ثم لرؤسائكم من أهل المشايعة والمكانفة والنّصرة والحظّ الجزيل والأثر المبين، ثوابهم واجب، وحقّهم لازم، ثم منكم من يحفظ لسلفه وأوّله من الآباء الذين يحفظون ولايتهم، فإن الله عز وجل يقول فى ذكر اليتيمين: «وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما، وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» وقال على لسان يعقوب لابنه يوسف «وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».


(١) النصفة: الإنصاف.
(٢) برّز: فاق أصحابه، والشأو: الغاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>