للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمير المؤمنين يرى توريث الحكمة والذّمام (١) سنّة عليه فى أخلاقه التى يرعاها ويحافظ عليها، كما أنه يرى وراثة التّركة فريضة واجبة، فيخلف السّلف الصالح عنده فى المزيّة والفضل من يتلون به من أهل الغناء (٢) بأنفسهم، ثم يتلوهم من اقتدى بهم واهتدى بهديهم، والسابق المتقدّم من اعتدّ ببلاء نفسه إلى بلاء سلفه، ثم يتبعه بعد المبلى بنفسه، ثم يتلوهما المتوسّل بآبائه، ثم الصاعد به هواه ورأيه، طبقة فطبقة، فليقصر كلّ امرئ منكم على المرتبة التى أحلّه بها سعيه، وليسلك إلى الازدياد فيها بالزيادة من نفسه، فإن من الفتوق العظيمة على أهل الدول ما ينزغ به الشيطان بينهم ويكثر عندهم ما يكون منه، فيوافق من الحيف للأنفس ما يجد به مساغا إلى ما يروم من إبقاع الشّحناء بينهم، وتثبيت الإحن فى صدورهم، بعد التآزر والتناصر. ومتى يجمع المرء لمزيّة من فوقه واغتباط من دونه، كفى ما ترك، ولن تخلص نيّاتكم، وتسلم ضمائركم حتى تمحضوا (٣) شكر ما أوليه إخوانكم، وتعتدّوا ما نالهم شاملا لكم، وتجانبوا طريقة من اقتصر بأمنيّته على خاصّته، وتعتّب فيما أوثر به أهل الفضل دونه، وكفى عظة فيما نهاكم الله عنه من ذلك، يقول الله عز وجل: «وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» ولا يلتمسنّ أحد مودّته عن سوء نيّة بحسن مداراة فى ظاهر، فإنّ الله مقلّد كلّ امرئ ربقة (٤) عمله، ومطوّقه طوق سريرته، ولا يغدرنّ فيما يلزمه لإمامه، فإنه إنما يغدر فى حظّه، ويبخس قسمه، وينحس (٥) نفسه، ثم لا يقتصرنّ على استصلاحها حتى يتناول من


(١) الذمام: الحق والحرمة.
(٢) الغناء: الكفاية، وفى الأصل «فيخلف السلف الصالح عنده من المزية والفضل ما يتلون به أهل الغناء بأنفسهم» وأراه محرفا.
(٣) محضه كمنع وأمحضه: أخلصه.
(٤) الربق بالكسر: حبل فيه عدة عرى يشد به إلبهم، كل عروة ربقة.
(٥) نحسها (كمنع): عناها وأشقاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>