للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأيّة نعمة أجلّ قدرا، وأسنى أمرا- معشر الشيعة- من نعمة أمير المؤمنين- أيّده الله- عند الأمير ذى الرياستين، ومراتبه التى رتّبه بها، فإنه أعطاه رياسة الحرب ورياسة التدبير، وعقد له على رأسهما علما فى راية دعوته، وقلّده سيفهما، وختّمه بخاتم الخلافة وخاتم الدولة، وجعل صلاته بين صاحب حرسه وصاحب شرطته، ومسيره بين أمير المؤمنين وبينهما أمامه وخلفه- وصيّر له الجلوس على الكرسى بحضرته فى صدر كل مجلس جلسه- إلا أن يؤثر به من أحبّ من أبناء الخلفاء- وقدّمه فى دخول داره (١) راكبا إلى أقصى مكان ينتهى إليه أحد من بنى هاشم، لأنه منهم، وأعظمهم غناء عنهم، فسمّاه صاحب دعوته، وسيفه على عدوه، وبابه الذى يدخل إليه منه، وولّاه خيوله فى أقطار الأرض، ومقدّمته بحضرته، وقلّده من الثغور ما قد علمتم، بما أفرده فى عهده، إلى ما أنفذه من أمره، فى جميع سلطانه وملكه، من مشارق الأرض ومغاربها، وأين يأتى الوصف على ما فضّله به وقدّمه وشرّفه على الناس كافّة؟ ولكنا نخطر بذكره ثم نكل السامعين إلى ما يرجعون إليه من المعرفة التى لا تبلغها الصّفة.

ثم لم يكن ما أكرمه به فى حياته، بأعلى مما أكرمه به فى وفاته: تولّى غسله وتكفينه ومباشرته لجهازه إلى حفرته بيده، وقاسى من الغصص، وبرحاء (٢) الحزن، وإذراء (٣) العبرة، وإراقة الدّمعة، ما حال بينه وبين الكلام، وكاد يمنعه من القول، والدعاء فى صلاته عليه، من الحكم وحفظ أهل الحرمة به، رعاية له فيهم، ووفاء بعهده من بعده، وأقرّ خاصّته وقواده وعمّاله وكتّابه على مراتبهم، وحمد بحمده، وذمّ بذمه، وجدّد لجنده وشاكريّته (٤) نظرا وعطفا، فلم يبق عليه فى إحياء ذكره، وبلوغ كل ما يحبّه فى حياته، [غاية] إلا أتى من ورائها، وأمر بقراءة فتوحه، كما


(١) فى الأصل «دار الأمير».
(٢) برحاء الحمى وغيرها: شدة الأذى.
(٣) أذرت العين الدمع: صبته.
(٤) فى الأصل «وشل كريته» وهو تحريف، وأرى أن صوابه «وشاكريته» والشاكرية جمع شاكرى: وهو الأجير والمستخدم معرب جاكر- انظر القاموس المحيط- والمعنى: وأتباعه ورجاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>