للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينتصف المظلوم، ويأخذ الناس حقوقهم، وتحسن المعيشة، ويؤدى حق الطاعة، ويرزق الله العافية والسلامة، ويقوم الدين، وتجرى السنن والشرائع، وعلى مجاريها يتنجّز الحق والعدل فى القضاء، واشتد فى أمر الله، وتورع عن النّطف (١)، وامض لإقامة الحدود، وأقلل العجلة، وابعد من الضجر والقلق، واقنع بالقسم، ولتسكن ريحك، ويقرّ حدك، وانتفع بتجربتك، وانتبه فى صمتك، واسدد (٢) فى منطقك، وأنصف الخصم، وقف عند الشّبهة، وأبلغ فى الحجة، ولا يأخذك فى أحد من رعيتك محاباة ولا محاماة (٣) ولا لوم لائم، وتثبت وتأنّ وراقب، وانظر وتدبر، وتفكر واعتبر، وتواضع لربك، وارأف (٤) بجميع الرعية، وسلّط الحق على نفسك، ولا تسرعنّ إلى سفك دم- فإن الدماء من الله بمكان عظيم- انتهاكا لها بغير حقها.

وانظر هذا الخراج الذى قد استقامت عليه الرعية، وجعله الله للإسلام عزّا ورفعة، ولأهله سعة ومنعة، ولعدوّه وعدوهم كبتا (٥) وغيظا، ولأهل الكفر من معاديهم ذلّا وصغارا، فوزّعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم فيه، ولا ترفعن منه شيئا عن شريف لشرفه، ولا عن غنىّ لغناه، ولا عن كاتب لك ولا أحد من خاصتك، ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له، ولا تكلّفن أمرا فيه شطط، واحمل الناس كلهم على مرّ الحق، فإن ذلك أجمع لألفتهم، وألزم لرضا العامة. واعلم أنك جعلت بولايتك خازنا وحافظا وراعيا، وإنما سمّى أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيّمهم، تأخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ومقدرتهم، وتنفقه فى قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم، فاستعمل عليهم فى كور عملك ذوى الرأى والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل، والعلم بالسياسة والعفاف، ووسّع عليهم فى الرزق، فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت


(١) النطف: العيب والشر والفساد.
(٢) سد يسد كضرب: صار سديدا.
(٣) فى المقدمة «ولا مجاملة».
(٤) من باب كرم وقطع وطرب.
(٥) كبه. صرعه وأخزاه ورد العدو بغيظه وأذله.

<<  <  ج: ص:  >  >>