للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمشين مرحا، ولا تركبن سفها (١)، ولا تفرّطن فى طلب الآخرة، ولا ترفع للنّمام عينا ولا تغمضنّ عن الظالم رهبة منه أو مخافة، ولا تطلبن ثواب الآخرة بالدنيا، وأكثر مشاورة الفقهاء، واستعمل نفسك بالحلم، وخذ عن أهل التجارب، وذوى العقل والرأى والحكمة، ولا تدخلن فى مشورتك أهل الدقة (٢) والبخل ولا تسمعن لهم قولا، فإن ضررهم أكثر من منفعتهم، وليس شىء أسرع فسادا لما استقبلت فى أمر رعيتك من الشح. واعلم أنك إذا كنت حريصا كنت كثير الأخذ قليل العطية، وإذا كنت كذلك لم يستقم لك أمرك إلا قليلا، فإن رعيتك إنما تعتقد على محبتك، بالكفّ عن أموالهم، وترك الجور عنهم. ويدوم صفاء أوليائك لك، بالإفضال عليهم وحسن العطية لهم، فاجتنب الشح، واعلم أنه أوّل ما عصى به الإنسان ربه، وأن المعاصى بمنزلة خزى، وهو قول الله عز وجل: «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» * فسهّل طريق الجود بالحق، واجعل للمسلمين كلهم من نيتك حظا ونصيبا، وأيقن أن الجود من أفضل أعمال العباد، فأعدده لنفسك خلقا، وارض به عملا ومذهبا.

وتفقد أمور الجند فى دواوينهم ومكاتبهم، وأدرر عليهم أرزاقهم، ووسّع عليهم فى معايشهم، ليذهب بذلك الله فاقتهم، ويقوّم لك أمرهم، ويزيد به قلوبهم فى طاعتك وأمرك خلوصا وانشراحا، وحسب ذى سلطان من السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة فى عدله وحيطته (٣) وإنصافه وعنايته وشفقته وبرّه وتوسعته، فزايل مكروه أحد البابين باستشعار تكملة الباب الآخر ولزوم العمل به، تلق إن شاء الله نجاحا وصلاحا وفلاحا.

واعلم أن القضاء من الله بالمكان الذى ليس به شىء من الأمور، لأنه ميزان الله الذى يعتدل عليه الأحوال فى الأرض، وبإقامة العدل فى القضاء والعمل تصلح الرعية، وتأمن السبل،


(١) وفى المقدمة «ولا تزكين سفيها».
(٢) وفى المقدمة «أهل الرفه».
(٣) فى المقدمة «وعطيته».

<<  <  ج: ص:  >  >>