للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التى تدّخر وتكنز البرّ والتقوى والمعدلة واستصلاح الرعية وعمارة بلادهم، والتفقّد لأمورهم، والحفظ لدهمائهم (١) والإغاثة لملهوفهم. واعلم أن الأموال إذا كثرت وذخرت فى الخزائن لا تثمر، وإذا كانت فى إصلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف المئونة عنهم، نمت وربت وصلحت به العامة، وتزينت به الولاة، وطاب به الزمان، واعتقد فيه العز والمنعة، فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال فى عمارة الإسلام وأهله ووفّر منه على أولياء أمير المؤمنين قبلك حقوقهم، وأوف رعيتك من ذلك حصصهم وتعهّد ما يصلح أمورهم ومعايشهم، فإنك إذا فعلت ذلك قرّت النعمة عليك واستوجبت المزيد من الله، وكنت بذلك على جباية خراجك، وجمع أموال رعيتك وعملك أقدر، وكان الجمع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسلس لطاعتهم، وأطيب نفسا لكل ما أردت فاجهد نفسك فيما حددت لك فى هذا الباب، ولتعظم حسبتك فيه، فإنما يبقى من المال ما أنفق فى سبيل حقه، واعرف للشاكرين شكرهم، وأثبهم عليه. وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة، فتتهاون بما يحق عليك، فإن التهاون يوجب التفريط، والتفريط يورث البوار، وليكن عملك لله وفيه تبارك وتعالى، وارج الثواب، فإن الله قد أسبغ عليك نعمته فى الدنيا، وأظهر لدينك فضله، فاعتصم بالشكر، وعليه فاعتمد، يزدك الله خيرا وإحسانا، فإن الله يثيب بقدر شكر الشاكرين، وسيرة المحسنين، وقضى الحقّ فيما حمّل من النعم، وألبس من العافية والكرامة، ولا تحقرن ذنبا، ولا تمالئن حاسدا، ولا ترحمن قاجرا، ولا تصلنّ كفورا، ولا تداهننّ عدوا، ولا تصدّقن نمّاما، ولا تأمنن غدّارا، ولا توالينّ فاسقا، ولا تتبعن غاويا، ولا تحمدن مرائيا، ولا تحقرن إنسانا، ولا تردّن سائلا فقيرا، ولا تجيبنّ (٢) باطلا، ولا تلاحظن مضحكا، ولا تخلفن وعدا، ولا تزهونّ فخرا، ولا تظهرن غضبا، ولا تأتين بذخا (٣)، ولا


(١) الدهماء: جماعة الناس «وفى المقدمة: والحفظ لدمائهم».
(٢) وفى المقدمة «ولا تحسنن باطلا».
(٣) البذخ: الكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>